إقامة مأتم الأربعين

انتشرت بين المسلمين المهاجرين في هذه البلاد مسألة الاجتماع على الطعام، وقراءة القرآن بعد أربعين يومًا من وفاة قريب لهم، واختلف الناس فيما بينهم في بداية العد لاستكمال الأربعين يومًا، أيبدأ العد من تاريخ الوفاة، أم من تاريخ الدفن؟ هل هذه سنة الرسول والخلفاء الراشدين من بعده؟ أم هي بدعة ابتدعها الناس في غفلة عن الهدي النبوي؟ وكيف يكون تقويم هذا السلوك إن لم يكن على هدي من الله ورسوله؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
إقامة مأتم الأربعين على النحو الوارد في السؤال بدعة سيئة فرعونية الأصل لا أصل لها في دين المسلمين، فهي لم تكن في عهد النبوة ولا في عهود الصحابة والتابعين ولم تكن معروفة عن جماهير المسلمين إلى وقت قريب، وفيها من إضاعة الأموال وتجديد الحزن على الميت ما يؤكد نكارتها ويدعو إلى نبذها، وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى في هذا الصدد عام 1947م تبين بدعية هذا العمل وتدعو الأمة إلى الابتعاد عنه.
ومما هو جدير بالذكر أن مفتي مصر الأسبق الشيخ حسنين مخلوف : كان قد أصيب بفقد ولده : وتساءل الناس من أصدقائه عن ليلة الأربعين المعتاد إحياؤها فأخبرهم بأن إحياءها على هذا النحو بدعة مذمومة لا أصل لها في الدين، وأنه مكتفٍ فيها وفي غيرها من الأيام بما بينه وبين ربه من عمل يرجو ثوابه لمن افتقده، وقد نشر ذلك بجريدة الأهرام في 27/ 7/ 1947م، ثم حررت بعد ذلك فتوى في بيان بدعية هذا الإحياء وسجلت بدار الإفتاء برقم 377 بتاريخ 14/ 8/ 1947م، ونشرت الأهرام خلاصتها في 12/ 8/ 1947م.
ومما هو جدير بالذكر أيضًا أن المسئولين في السعودية لم يقيموا هذا الاحتفال للملك عبد العزيز اتباعًا للسنة، ولما علم الملك سعود بما اعتزم عليه بعض المسلمين في سوريا من إقامة مأتم الأربعين في المفوضية السعودية أبى ذلك، وأعلن أنه لا يجوز شرعًا بل هو بدعة، وأنه لا يرضى أن تقوم للبدعة قائمة باسم والده، ونقل ذلك مفتي مصر الأسبق الشيخ حسنين مخلوف.
كما أفتى بذلك الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة بالسعودية، ونبه على أنها بدعة منكرة لا أصل لها في الإسلام، وأنها فرعونية الأصل كانت من تقاليد قدماء المصريين، وحذر المسلمين من العمل بها، وذلك في عدد من الفتاوى نشرت في مجلة الدعوة السعودية وفي غيرها من المجلات العلمية.
أما كيفية تقويم هذا السلوك فإنه يكون بإشاعة السنة والإنكار على مخالفها وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وأن يتولى ذلك أكابر أهل العلم ممن كتب الله لهم في الأمة قبولًا عامًّا، لأن العلم إذا جاء من قبل الأكابر دانت له النفوس واجتمعت حوله الكلمة.
يقول عبد الله بن مسعود: لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا.
ويقول عمر بن الخطاب: قد علمت متى يهلك الناس، إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   03 الجنائز

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend