هل تارك جنس العمل- العمل الظاهر بالجوارح فقط مع الإتيان بالنطق بالشهادتين وترك النواقض امتثالًا وأصل عمل القلب الذي يلزم منه النطق- كافر بلا خلاف عند أهل السنة حتى عند من لم يكفر بأحد المباني الأربعة؟ مع العلم أن كثيرًا من الناس يقول: إن فضيلتكم تقول بأنه كافر خارج عن الملة.
أرجو الإجابة، فهذه المسألة شقت صفوف السلفيين بقوة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن تعبير «جنس العمل» من التعبيرات المجملة والمتشابهة، وقد أفضى إشاعتها إلى تهارج وتراشق بالتهم والمناكر، فمنهم من يريد بها حقًّا، ومنهم من يريد بها باطلًا، فيطالب من يقولها بأن يبين لنا مراده، فإن أراد حقًّا أُقِرَّ على الحق الذي أراده ولا يُقَرُّ على استعمال العبارة، وإن أراد باطلًا رُدَّ مراده ولفظه جميعًا.
وقد نقل عن العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين استنكار استعمال هذه العبارة وقال: «هذه طنطنة لا خير فيها» أو كما قال.
والذي أفهمه أيها الحبيب أن من أقر بالشهادتين إقرارًا التزاميًّا يقصد به الإجابة إلى الإيمان والدخول في الإسلام، واجتنب نواقضهما، ثم أخل بما وراء ذلك من أعمال الجوارح فهو من أهل الوعيد، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له؛ وذلك لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
أما الاعتراض على ذلك بمثل كفر ساب النبي صلى الله عليه وسلم فإن ساب النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى بما ينقض إقراره؛ لأن الإقرار لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة معناه تصديقه وتوقيره، فمن سبه أو تنقصه فقد أتى بما ينقض إقراره، وأما الاعتراض على ذلك بمثل كفر تارك الصلاة أو تارك المباني الأربعة، فإن الخلاف في ذلك مشهور، ومنقول في تراث الأمة وعن أكابر أئمتها وعلمائها جيلًا بعد جيل.
ومن ناحية أخرى فما هو المقصود بتارك جنس العمل؟ هل هو تارك جنس أعمال الخير، فلم يستغفر ربه في حياته قط، ولم يذكره قط، ولم يركع لله في حياته قط، ولا صام له قط، ولا خشيه بالغيب قط، إن هذا لا يتصور، إلا من أقر بالشهادتين في حادث عابر ثم نسي أنه مسلم؟! أو في بعض أوقات فتور الشرائع وارتفاع القرآن بحيث لا تبقى منه في الأرض آية، أو في بعض الأماكن النائية خارج ديار الإسلام! وهل مثل هذه الصور من الشيوع بحيث تدار حولها كل هذه المعارك، ويتفرق الناس بسببها كل هذا التفرق؟!
وصفوة القول أن السلف قد اختلفوا في تكفير تارك المباني الأربعة، هل يكفر بمجرد تركها أم لابد من الجحود، والخلاف في ذلك محكي عند أهل السنة، ولا يصح نسبة شيء من هذه الأقوال إلى الابتداع، بل من ظهر له رجحان أحد القولين قال به ولم ينكر على من ظهر له رجحان القول الآخر، فلكل فيما قال سلف وله في اختياره له حظ من النظر.
وهذه مجرد عجالة في الرد على سؤالك بما أسعف به الوقت، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان الأخرى فأنا ملتزم في الجملة بما عليه السلف، أقرُّ بما به يقرون، وأدين بما به يدينون، فإن أخطأت في تحرير بعض أصولهم، أو فهمتها على غير وجهها فأستغفر الله من ذلك، وأنا راجع عنه في حياتي وبعد مماتي والقول ما قالوا، فقولهم أعلم وأسلم وأحكم، والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.