ما حكم الخوف المبالغ فيه من الله؟
تنتاب أختي حالة من الرعب من عذاب الله، لدرجة أنها تخشى أن تفعل أي شيء حتى ولو كان حلالًا خشيةَ غضب الله، وتخاف ألا يتقبل الله منها.
مع العلم بأنها تُكثر من الصلاة والقيام، خاصة في الفترة الأخيرة بعد رمضان. فهل هذا طبيعي بسبب خشيتها من البعد عن الله؟ أم أن هذا وسواس يحاول أن يُنغص عليها حياتها؟
فهي تريد أن تستقيل من العمل وتبقى في المنزل حتى لا تتعامل مع رجالٍ، فهي معيدة في الجامعة، وتتعامل مع شباب، ولكن يعلم الله أنه في حدود الأدب، فنحن والحمد لله محافظون وملتزمون في معاملاتنا، ولكن أختي تشعر دائمًا بأنها ستموت، وتظل تبكي ولا تفعل أي شيء، ودائمًا حزينة، وأنا أخشى عليها من أن تمل من هذه الحياة وتبعد عن طريق الهداية. فما هو أفضل طريق إلى الله؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الخوف من الله من أفضل مقامات العبودية وأجلِّها؛ قال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46]، وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 40، 41].
ولكن هذا لا يعنى القنوط من رحمة الله، أو الانسحاب الكلي من الحياة، فإن العبد يتقلب في عبادته لربه بين الخوف والرجاء، يرجو رحمة الله ويخاف ذنوبه، فمن عَبَد الله بالخوف وَحْده كان حروريًّا، أي من الخوارج، ومَن عَبَده بالرجاء وحده كان مرجئًا، والتوفيق أن يجمع المرء في عبادته لربه بين هذا وذاك، كما قال تعالى عن الصالحين من عباده: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون﴾ [السجدة: 16]، وكما قال تعالى عن نبيِّه زكريا وزوجه: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين﴾ [الأنبياء: 90].
ومن ناحيةٍ أخرى فإن الشريعةَ قد جاءت بالقصد والوسطية، ونهت عن الغلوِّ في الدين؛ فقد روى البخاري : من حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغُدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْـجَةِ»(1).
وعن أنسٍ قال: دخل رسولُ الله ﷺ فإذا حبلٌ ممدود بين الساريتين، فقال: «مَا هَذَا الحَبْلُ؟». قالوا: هذا حبلٌ لزينب، فإذا فَتَرت تعلَّقَت. فقال النبيُّ ﷺ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَرْقُدْ»(2).
وعن عبد الله بن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»(3).
وفي حديث ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ»(4).
قال النووي : في معرض بيانه لمعنى الحديث: «أي: المتعمقون المغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم»(5).
وعن عائشة ل أنها قالت: ما خُيِّر رسولُ الله ﷺ بين أمرين إلا أخذ أيسرَهما ما لم يكن إثمًا(6).
وروت عنه قولَه ﷺ: «خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ»(7).
وأرى أن يكون لها تواصلٌ مباشر مع بعض أهل العلم حتى يُراجع معها الأمر برمته.
ونسأل الله أن يأخذ بناصيتها إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يحملها في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم. ________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «الدين يسر» حديث (39) من حديث أبي هريرة.
(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «ما يكره من التشديد في العبادة» حديث (1150)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك» حديث (784).
(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/347) حديث (3248)، وابن ماجه في كتاب «المناسك» باب «قدر حصى الرمي» حديث (3029) من حديث ابن عباس. وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (1/82) وقال: «هو في المسند بإسناده صحيح». (4) أخرجه مسلم في كتاب «العلم» باب «هلك المتنطعون» حديث (2670) من حديث عبد الله بن مسعود.
(5) «شرح النووي على صحيح مسلم» (16/220).
(6) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «صفة النبي ﷺ» حديث (3560)، ومسلم في كتاب «الفضائل» باب «مباعدته ﷺ للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته» حديث (2327)، من حديث عائشة.
(7) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «الجلوس على الحصير ونحوه» حديث (5862).