أنا أعيش في بلد أجنبي، وقد حاول زوجي اجتياز الكثير من الاختبارات الصعبة لكي يحصل على ترخيص مزاولة مهنةٍ تُمكِّنه من العمل كطبيبٍ، اجتاز كلَّ الاختبارات ما عدا اختبارًا واحدًا، وللأسف فهم هنا لا يسمحون لأي شخص دخولَ أي اختبارٍ أكثرَ من خمس مراتٍ، بعدها يُمحى اسمُه من سجل الاختبارات، ويقولون له: حاول أن تبحث عن أيِّ مجالٍ آخر.
للأسف زوجي لا يستطيع القيام بأي عملٍ آخر؛ حيث إن ظروفه الصحية تدهورت جدًّا، وعمره الآن خمسون سنةً، وهو الآن على غير عمل، ونحن نعيش من راتبٍ خصَّصَتْه لنا الحكومة بشكل مؤقت لأننا لا نعمل، ولكن الراتب هذا بالكاد يكفي إيجار البيت المكوَّن من غرفة واحدة وأكلنا، ولا يكفي أيَّ شيءٍ آخر.
أحيانًا أقوم بتعليم أطفالِ المسلمين القُرْآنَ مقابل أجرٍ وأدَّخر هذه النقودَ لشراء أي شيءٍ أحتاجه أنا وزوجي. ولأن الحكومة أخبرتنا أن هذا الراتبَ الشهريَّ مؤقتٌ ومُمكنٌ قطعُه في أيِّ وقت؛ لهذا فإنني أقوم بتعليم الأطفال مقابل أجر لادِّخار هذا المال في حالة قطع المعونة الشهرية.
السُّؤال: أنا لا أخبر الحكومة عن هذا المال؛ لأنه كما ترى عملٌ مؤقت، ولو أخبرتُهم عنه سوف يقطعون المعونة ونكون غيرَ قادرين على الحياة، فهل بعدم إخباري الحكومةَ عن هذا المال يُعتبر هذا المال حرامًا؟ مع العِلْمِ بأنني لا أستطيع العودةَ مَرَّةً أخرى إلى بلدي نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ هو الوفاء بالعهود، فلا تجوز مخالفة أنظمة الدول المضيفة، وفاءً بعقود الأمان التي تحملها الأوراق الرَّسْمية كتأشيرات الدخول وبطاقات الإقامة الدَّائمة ونحوها، ونحن أمةٌ تُقدِّر العهود والمواثيق؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1] اللهمَّ إلا إذا ألجأتك إلى ذلك ضرورات حياتية خاصة، أو حاجات أساسية تتضررون بتركها وعدم الوفاء بها.
فإذا كانت المساعداتُ الحكومية لا تفي بضروراتك وحاجاتك الأساسية فعندئذٍ تُقدَّر الضَّرورة بقدرها، وإذا وسَّع اللهُ عليكم واستطعتم أن تستغنوا بهذا العمل عن هذه المساعدات فأبلغوا عن عملكم، وعيشوا عيشًا كريمًا من كدحِ يمينكم وعرق جبينكم، فـ«الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى»(1). ونسأل اللهَ أن يجعلَ لكم من كلِّ ضيق فرجًا ومن كلِّ عسرٍ يسرًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» حديث (1428)، ومسلم في كتاب «الزكاة» باب «بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى» حديث (1034)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه .