شيخنا الفاضل، صبرت على غربتي وبعدي عن زوجي عدة سنوات، بعد أن كنت بجواره وأنجبت منه طفلين، وفي فترة إقامته وحده تزوج بامرأة غربية زواجًا يقصد به ترتيب أوضاعه القانونية، زوجي يقول لي: إنه يعتقد أنها زوجته أمام الله، ويجوز مغازلتها وملاطفتها لأنها زوجته، وفي نفس الوقت يتركها تمارس الرذيلة مع من شاءت حتى أنجبت طفلين من غيره في هذه الفترة، ثم نَسَبَ أحدهما إليه ليثبت للجهات الرسمية أن هذه المرأة زوجته.
وأسأله كيف يستحل مغازلتها؟ وكيف لا يعبأ بمشاعري عندما أجده يقول لها نفس العبارات التي يقولها لي؟! فيغضب ويثور كالبركان، ويخبرني بأنني الحب الوحيد لديه، أكاد أُجَنُّ، أفتني في أمري.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فما أغرب هذه القصة! وما أتعس الإنسان عندما يستزله الشيطان على هذا النحو وإلى هذا الحد!
الزواج الصوري يا بنيتي لا يجوز؛ لخروجه بعقد الزواج عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقتضاه، ولإخلاله بمقتضى النظام العام وعقود الأمان التي تربط أطرافه بالدول المضيفة، وقد صدر بذلك قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وقد نص قرار المجمع في ذلك على ما يلي:
الزواج الصوري بغية الحصول على الأوراق الرسمية:
للزواج في الإسلام أركانه المعروفة من الإيجاب والقبول والولي ونحوه، وله كذلك مقاصده الشرعية المعهودة من العفة والإحصان وابتغاء الولد ونحوه، ولا يجوز الخروج بالزواج عن هذه المقاصد، وصرفه عنها لأغراض نفعية مصلحية بحتة.
الزواج الصوري هو الزواج الذي لا يقصد به أطرافه حقيقة الزواج الذي شرعه الله ورسوله، فلا يتقيدون بأركانه وشرائطه، ولا يحرصون على انتفاء موانعه، بل يتفق أطرافه على عدم المعاشرة صراحة أو ضمنًا، فهو لا يعدو أن يكون إجراء إداريًّا لتحصيل بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد، فهو أشبه ما يكون بنكاح التحليل لا يراد به النكاح حقيقة بل لتحليل المرأة لمطلقها ثلاثًا.
والزواج الصوري على هذا النحو محرَّم في باب الديانة؛ لعدم توجه الإرادة إليه، ولخروجه بهذا العقد عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقصوده، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه.
إذا مست الحاجة إلى تحصيل بعض المصالح التي لا يتسنى تحصيلها إلا من خلال الزواج فإن السبيل إلى ذلك هو الزواج الحقيقي الذي تتجه إليه الإرادة حقيقة، فتستوفى فيه أركانه وشرائطه، وتنتفي موانعه، ويجري على وفاق الشريعة المطهرة، فلا يصرح فيه بالتوقيت، ولا يعبث فيه أحد بغاياته ومقاصده.
وفي وثيقة مجمع فقهاء الشريعة للأحوال الشخصية ما يلي:
«الزواج الصوري هو الزواج الذي لا يقصد به أطرافه حقيقة الزواج الذي شرعه الله ورسوله، فلا يراد به حل استمتاع ولا استدامة عشرة، ولا يعدو أن يكون إجراء إداريًّا لتحصيل بعض المصالح أو دفع بعض المفاسد.
الزواج الصوري على النحو السابق محرَّم في باب الديانة، لخروجه بهذا العقد عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقتضاه، ولإخلاله بمقتضى النظام العام وعقود الأمان التي تربط أطرافه بالدول المضيفة.
إذا استوفى الزواج الصوري أركانه وشروطه وانتفت موانعه- وقل أن يقع ذلك- قضي بصحته ظاهرًا؛ لأن هزل النكاح وجده سواء([1]). وعلى الطرفين إلغاء هذه الصورية فور انتهاء العقد وإلا كان باطلًا».
وإقرار زوجك بأن هذه المرأة زوجته ليدفع بذلك عن نفسه تهمة مغازلة امرأة أجنبية تخبُّطٌ ظاهِرٌ وخذلان بيِّنٌ؛ إذ كيف يدفع عن نفسه تهمة مغازلة امرأة أجنبية ليقع بهذا في دِياثَةٍ ظاهرة وهي إقرار الخبث في أهله؟ وأيهما أشد جرمًا؟ مغازلة امرأة أجنبية أم الدِّياثة؟! وفي حديث ابن عمر الذي رواه أحمد بن حنبل في «مسنده» واللفظ له، والنَّسائي في «الصغرى»، والحاكم، والبيهقي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمُ الْـجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْـخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْـخَبَثُ»([2]).
ثم بعد هذا ينسب إلى نفسه ولدًا ليس ولدَهُ، وهو يعلم ديانةً أنه ليس ولدًا له، ويكذب بهذا على جهات الهجرة، وينقض بذلك عقود الأمان التي تربطه بهم، ظلمات بعضها فوق بعض، كيف يتوقع بركة من الله في نفسه وماله وولده ومستقبله وهو يبنيه على شفا جُرُفٍ هارٍ، ويُقيمه على أنقاض الدِّينِ والخلق والمروءة، إنه يحتسي السم بيده، ويعقر نفسه، ويطلق عليها الرصاص.
وأتفهم حرصك على مشاعرك، وغيرتك على زوجك، وعلى ألا يخدعك بكلمات الحب التي يقول مثلها لهذه المرأة التي يزعم أنها زوجته، ولكن مشكلة زوجك أعقد من هذا، فلا تكوني كمن يقيم الدنيا ولا يقعدها على عَرَضٍ عابر لمرض عضال، ثم يترك هذا المرض العضال يستشري في بدنه، ويفتك بعافيته.
ليرفع زوجك نازلته إلى أحد أهل الفتوى ممن يثق فيهم، ويبحث معه كيفية الخروج من هذا النفق المظلم. وأسأل الله أن يقيل عثرته، وأن يرده إليه ردًّا جميلًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
([1]) فقد أخرج أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على الهزل» حديث (2194)، والترمذي في كتاب «الطلاق» باب «ما جاء في الجد والهزل في الطلاق» حديث (1184)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «من طلق أو نكح أو راجع لاعبًا» حديث (2039)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ هَزْلُـهُنَّ جِدٌّ وَجِدُّهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ». وقال الترمذي: «حديث حسن». وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» حديث (3027).
([2]) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/ 69) حديث (5372)، والنسائي في كتاب «الزكاة» باب «المنان بما أعطى» حديث (2562)، والحاكم في «مستدركه» (1/ 144) حديث (244)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.