السلام عليكم ورحمة الله
أود أن اقتني كلباً وأنا على علم بما قاله الأئمة الأربعة في الأمر حيث أني بحثت في هذا الأمر أكثر من مدة الشهر لأهميته عندي، و أرغب في أن أخذ برأي الإمام مالك الذي قال بطهارة الكلب كله حتى لعابه، وكذلك جواز اقتناءه في كل ما هو نافع حتى أدنى منفعة وإن كان للأنس والعلم لله.
وللإمام مالك أدلته فى الطهارة التي بالطبع سيادتكم أعلم بها منى، ويرتاح قلبى وعقلى لتصديقها، ولا أستطيع ذكرها جميعا ولكني بالإضافة لهذه الأدلة الواضحة فإني أتسأل:
بما أن الرسول عندما أذن باقتناء الكلب للزراعة والحرث بدون حرج (الكلب المعلم) لم يوضح لهم أحكام للطهارة مع ذلك الاقتناء، فلم يذكر حديث لمن سمح له بكلب معلم بالتطهر أو الوضوء على الأقل وقت الصلاة مع أنه نفس الكلب وإن اختلف الاستخدام.
فهل من المنطقى أن يصلي من يملك كلب زراعة وهو نجس وأن لا تدخل بيته ملائكة؟ أوليس من الأولى أن يكون فى حديث يذكر فيه الرسول التطهر أقله وقت الصلاة حتى لا يشق على الناس وجعل غرفة أو مكان لمن سمح له بالاقتناء حتى يصلي فيها فتدخل الملائكة؟
أم أن الكلب المعلم سترفع عنه صفات النجاسة وكراهة الملائكة له لمجرد انه كلب زرع وحرث؟! كذلك فإنه لم يذكر نص واضح صريح فى القرآن أو حديث بنجاسة الكلب وأن أخذنا بقول السيدة عائشة -رضى الله عنها- “السواك مطهرة للفم مرضاة للرب“، فإن الاستناد للقول: “طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب …إلى آخر الحديث”. لا يكون دليلا عل النجاسة وإلا لكان فى قول السيدة عائشة ما يعني أن الفم نجس نطهره بالمسواك؟
وكان قول الإمام مالك وسيادتك بالطبع أعلم مني أن:
حديث الرسول “عليه الصلاة والسلام” في إقتناء الكلب للصيد والحرث والزرع .. إلى آخره، إنما ذلك على سبيل المثال لا الحصر، وأن كل ما يمكن أن يكون به منفعة للإنسان كبيرة أو صغيرة ممكن أن يندرج تحت ما يجوز اقتناؤه.
وأن انتقاص الأجر إنما هو لكل ما هو ضار مثل الكلب العقور، أو الضار، أو المراد به: ترويع أو أذى أو تفاخر “بمعنى كل ما يسبب الأذى لسبب صغر أو كبر، وعليه يجوز اقتناؤه لكل المنافع حتى للأنس من باب المنفعة النفسية التى كثيرًا ما نحتاجها فى هذا الزمان من ظروف قاسية من غربة أحيانًا وأناس عز فيهم الوفاء وصدق المشاعر وغيرها من الأسباب.
نقطة أخرى هل من الممكن أن يكون المقصود بحديث عدم دخول الملائكة بيت فيه كلب أن يكون فعلا المقصود حالة خاصة وهي ملائكة الوحي التي تنزل على الرسل، وبذلك تكون حالة خاصة بالرسول؟
أو أن يكون المقصود الكلاب الضارة العقورة، حيث أني أتعجب أن تدخل الملائكة بيت به كلب معلم بلا حرج وتمتنع لغيره من سائر الكلاب، مع أنهم جميعا نفس النوع والصفات والرائحة؟!
أود اقتناء كلب لمنفعة، ولا أريد اقتناء كلب للتفاخر، أو الترهيب، ولا اقتناء كلب عقور، وإني أريد اقتناء كلب يقوم بكل الخدمات التي يستطيع الكلب تقديمها من حراسة، ورفقة طيبة وترفيه نفسى مطلوب لي؟
بمعنى أخر كل المنافع: كبيرها وصغيرها مما يستطيع الكلب تقديمه لي، وأود اقتناؤه بداخل المنزل، ولا استطيع جعل غرفة خاصة له أو غلق حجرة فقط للصلاة، كما سمعت فى بعض الفتاوى.
أريد كلب يكون معي بالمنزل ليستطيع أداء خدماته التى أتوقعها منه بحرية وبدون ظلم له بحبسه أو تركه بالخارج.
أعلم بأن اختلاف الفتوى رحمة، وأنه إن اختلفت الفتوى فإنه يجوز لي اتباع من ارتاح قلبي لأدلته بشرط أن يكون على علم وفقه، والإمام مالك وهو مفتي المدينة قرب السبعون عام وهو من قيل فيه: “لا يفتى ومالك فى المدينة”.
وأنا لا يرتاح قلبي لما وصل إليه جمهور العلماء وإن كنت أحترمه ولا أنكره، ولكن أجد فيه من التناقض الكثير، وأجد أن ذلك الكلب الوفي المخلص الذى أصبح استخدامه الآن يتعدى الحراسة لأكثر من ذلك بكثير، من مساعدة المريض حيث أنه الآن عنصر هام فى العلاج النفسى لمرضى التوحد والانفصام الشخصي، والاكتئاب، ومساعدة الأعمى، والأصم، ويكشف عن الحرائق، وغيرها مما يتفق مع تفسير الإمام مالك، بجواز اقتناؤه لكل المنافع وأن حديث الرسول كان على سبيل المثال لا الحصر. فهل بذلك إذا اخذت بقول الإمام مالك يكون لا مانع في دخول الملائكة المنزل ولا ينتقص من أجري شيء؟
أشكر لك سعة الصدر، والسلام عليكم ورحمة الله.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فإن اجتهاد الإمام مالك في طهارة الكلب لا يعني أنه رخص في اقتنائه في غير ما ورد فيه الحديث، أو ما ألحق به على سبيل القياس والاجتهاد، لقد دلت النصوص على أنه لا يجوز اقتناء الكلاب في الإسلام إلا لأحد أمرين، وهما: الصيد، والحراسة، سواء أكانت حراسة للماشية أم الزرع، وألحقت بها حراسة الدور والحوانيت، وعمم بعض أهل العلم فرخص في استخدامها عند الحاجة في جلب المنافع ودفع المضار.
ففي البخاري ومسلم من حديث سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إلَّا كَلْبًا ضارِيًا لِصَيْدٍ أوْ كَلْبَ ماشِيَةٍ، فإنَّه يَنْقُصُ مِن أجْرِهِ كُلَّ يَومٍ قِيراطانِ“([1])، وفي رواية مسلم: “«إِلَّا كَلْبَ زَرْعٍ، أَوْ غَنَمٍ، أَوْ صَيْدٍ »([2])، ويبين ابن عبد البر وجه هذا النقص فبين أنه التفريط في ما يلزم مقتنيها من التحوط من ولوغها في إنائه ووجوب غسلها سبعا من ذلك، وما يتضمنه اتخاذها من ترويع المسلم ونحوه، وعدم دخول الملائكة البيت الذي فيه كلب، فقال -رحمه الله- في التمهيد:
“وَوَجْهُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ نُقْصَانِ الْأَجْرِ مَحْمُولٌ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَبِّدَ بِهَا فِي الْكِلَابِ مِنْ غَسْلِ الْإِنَاءَ سَبْعًا إِذَا وَلَغَتْ فِيهِ لَا يَكَادُ يُقَامُ بِهَا وَلَا يَكَادُ يَتَحَفَّظُ مِنْهَا لِأَنَّ مُتَّخِذَهَا لَا يَسْلَمُ مِنْ وُلُوغِهَا فِي إِنَائِهِ وَلَا يَكَادُ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ فِي عِبَادَةِ الْغَسْلَاتِ مِنْ ذَلِكَ الْوُلُوغِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالْعِصْيَانُ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْصًا فِي أَجْرِهِ بِدُخُولِ السَّيِّئَاتِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنِ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِذَهَابِ أَجْرِهِ فِي إِحْسَانِهِ إِلَى الْكِلَابِ لِأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرًا لَكِنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْكَلْبِ يَنْقُصُ الْأَجْرُ فِيهِ أَوْ يَبْلُغُهُ مَا يَلْحَقُ مُقْتَنِيهِ وَمُتَّخِذَهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ بِتَرْكِ أَدَبِهِ لِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ وُلُوغِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِالْغَسْلَاتِ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِثْلَ تَرْوِيعِ الْمُسْلِمِ وَشِبْهِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ“([3]).
ويلخصه في الاستذكار فيقول: “وَأَمَّا نُقْصَانُ الْأَجْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ – لِمَا يَقَعُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكِلَابِ لِمَنْ لَهُ اتِّخَاذُهَا وَمِنَ التَّقْصِيرِ عَنِ الْقِيَامِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ عَدَدِ الْغَسَلَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي التَّقْصِيرِ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْكَلْبِ لِأَنَّهُ قَانِعٌ نَاظِرٌ إِلَى يَدِ مُتَّخِذِهِ فَفِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَجْرٌ كَمَا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ وَفِي الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِ بِتَضْيِيقِهِ وزر“([4]).
وقد ذكر العلماء أن العلة في اتخاذه للماشية أو للزروع حفظها من السرقة، أو اعتداء الحيوانات المفترسة، وقاسوا عليه اتخاذها لحفظ الدور والحوانيت وغيرها، قال في منح الجليل من كتب المالكية: “وَشُرُوطُ صِحَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: طَهَارَةٌ، وَانْتِفَاعٌ بِهِ شَرْعًا، وَعَدَمُ نَهْيٍ عَنْ بَيْعِهِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا مُنْتَفِعًا بِهِ مَأْذُونًا فِي اتِّخَاذِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ،كَكَلْبِ صَيْدٍ... إلخ”([5]).
وأطلق ابن عبد البر في التمهيد القول بجوازه للمنافع عامة، قياسًا على جوازه للصيد والحراسة واعتبارا لما جرى عليه عمل الأمة عبر القرون، فقال رحمه الله: “وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: تَدْخُلُ عِنْدِي إِبَاحَةُ اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ لِلْمَنَافِعِ كُلِّهَا، وَدَفْعِ الْمَضَارّ، إِذَا احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إِلَى ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ اقْتِنَاؤُهَا فِي غَيْرِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآثَار؛ لِنُقْصَانِ أَجْرِ مُقْتَنِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ“([6]).
وإنما كره من ذلك اقتناؤها لغير منفعة وحاجةٍ وَكيدةٍ، فيكون حينئذ فيه ترويعٌ الناس، وامتناعُ دخولِ الملائكة في البيت والموضع الذي فيه الكلب. فمن ههنا (والله أعلم) كُره اتخاذها.
وأما اتخاذها للمنافع: فما أظن شيئا من ذلك مكروها؛ لأن الناس يستعملون اتخاذها للمنافع ودفع المضرة قرنا بعد قرن، في كل مصر وبادية، فيما بلغنا؛ والله أعلم. وبالأمصار علماء ينكرون المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويسمع السلطانُ منهم، فما بلغنا عنهم تغيير ذلك؛ إلا عند أذى يحدث من عقر الكلب ونحوه.
وإن كنت ما أحب لأحد أن يتخذ كلبًا ولا يقتنيه إلا لصيد أو ماشية في بادية أو ما يجري مجرى البادية من المواضع المخوف فيها الطرق والسرق، فيجوز حينئذ اتخاذ الكلاب فيها للزرع وغيره؛ لما يُخشى من عادية الوحش وغيره؛ والله أعلم. وقد سئل هشام بن عروة عن الكلب يُتخذ للدار؟ فقال: “لا بأس به، إذا كانت الدار مخوفة”([7]).
وما جاء في حديث: “لا تدخل الملائكة فيه كلب ولا صورة” فإنه يدل على كراهية اقتناء الكلاب، وهو من العام الذي أريد به الخاص لأنه مخصوص بالملائكة الكتبة الذين لا يفارقون ابن آدم، لأنهم يستنسخون أعماله كما قال تعالى {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29].
وكما جاء عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم، إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم»([8]).
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “هذان الاثنان -يعني الملكين- هل هما دائمًا مع الإنسان؟ نعم لقوله: { إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وقيل: إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء، وإذا كان عند الجماع، فإن صح ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فعلى العين والرأس، وإن لم يصح فالأصل العموم { إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] “([9]).
وكذلك مخصوص بالملائكة الحفظة الذين يحفظونه من أمر الله، كما قال تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
والخلاصة: أنه إذا وجدت حاجة حقيقية لاتخاذه، كاستجلاب منفعة أو دفع مضرة، وكان الاحتياط من ريقه، وغسل الإناء سبعا إذا ولغ فيه، واتخذ خارج البيت (في فنائه مثلا)، وأحسنت إليه في طعامه شرابه ومقامه، فلا حرج في ذلك، وإلا فأنت غنية عن أن ينقص من عملك كل يوم قيراطان، وفي اتخاذ القطط بدائل فإنهن من الطوافين عليكم والطوافات([10])، والله تعالى أعلى وأعلم
_______________
([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري (3325)، ومسلم (1574).
([3]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (14/222).
([5]) منح الجليل شرح مختصر خليل (4/453).
([6]) التمهيد لابن عبد البر (14/219).
([7]) انظر: شرح البخاري لابن بطال (5/390) ، والتمهيد لابن عبد البر (14/220).
([8]) أخرجه الترمذي (2800) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج المشكاة (3/253)، بناء على شرطه في المقدمة.
([9]) شرح العقيدة السفارينية، لابن عثيمين (3).
([10]) أخرجه أحمد (22580)، وأبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (68)، وابن ماجه (367). ولفظه: “ إنَّها ليسَت بنَجسٍ إنَّها منَ الطَّوَّافينَ عليكُم والطَّوَّافاتِ“. وقال ابن حجر في المطالب العالية (1/59): صحيح.