بيع مركز إسلامي ونقله إلى مكان آخر أحسن لمصلحة الجالية(1)

هناك مركز إسلاميٌّ يريد استبدال المركز الذي يحتوي على مصلى ومَدرسة وحضانة وصلاة الجمعة وغير ذلك، فالمجلس التابع للمركز وإمامهم يرون أن المجتمع في حاجة إلى بيع المركز ونقله إلى مكان أحسن لمصلحة المسلمين في المنطقة، لعل النقاط التالية تفيدك في إبداء رأيك بإذن الرحمن:

١ – في عام ٢٠٠٦ استدانت الجمعية الإسلامية في أمريكا فرع شارلوت من بعض الإخوة في شراء نصف مبلغ كنيسة، واستدانت الجمعية من الكنيسة نفسها في النصف الآخر، بسبب ضعف المجتمع عمومًا في جمع التبرعات، استعنا بالإخوة في شراء بقية المبلغ على قروض سنوية لمدة عشر سنوات، وما زال الدَّين إلى الآن يبلغ أكثر من مليون دولار، وينبغي إتمام دفعها خلال سنتين وهذا شبه مستحيل، منذ بداية الاتفاق جمع المركز ٢٠٠،٠٠٠ على الحد الأقصى خلال سنة ومعظم هذا المبلغ كان بالاستعانة بمتبرعي الكويت.

٢ – كانت نية أعضاء مجلس الشورى في هذا العقد أن يكون المركز للشباب، وأعلنوا ذلك للمجتمع.

٣ – في عام ٢٠١٠ سجلوا الدَّين في الحكومة على أساس حفظه في وقف، وكتب في هذا العقد أن الموقوف هو المال والمركز حتى يتم دفع الدَّين، والموقوف عليه هو مجلس الشورى التابع للجمعية، سُجِّلَتْ وظيفة المركز الرئيسية في هذا العقد على أنه «مركز اجتماعي للمسلمين وغيرهم». وتحت هذا العنوان خصصوا خدمات المركز «مصلى» (استعملوا كلمة Mosque التي قد تطلق على المسجد والمصلى والجامع)، ومركزًا للشباب وحضانة وغير ذلك مما لا يخالف المبادئ الإسلامية، ويُسْتعمَلُ المركزُ مساحةً ووقتًا كمدرسة يومية، والمدرسة هيئة مستقلة تستأجر المركز من الجمعية بمبلغ متواضع (ربع المعتاد)، ومع ذلك يصعب على المدرسة الدفع، والمدرسة لا تريد شراء المركز من  الجمعية؛ لأنها تنوي بناء مدرسة والانتقال إليها على عقار قد اشتروه منذ سنوات.

٤ – في عام ٢٠٠٧ أعلنت  الجمعية أنها ستحول القاعة التي تشكل ١٢٪ من مساحة المركز إلى مسجد وسموه مسجد النور، الحمد لله الآن يحضر ٥٠٠ مصلٍّ لصلاة الجمعة، وبالجانب الآخر للأسف لا يحضر الصلوات إلا قليل، مثلًا يحضر الفجر والعشاء على الحد الأقصى ٧ أو ٨ مصلين، وقد صَلَّيْت وحدي مرَّاتٍ عديدة، تكون العصر والمغرب غالبًا، لا يحضر أحد إلا في الصيف حين يتأخر الوقت، والسبب الأكبر في ذلك أن هناك مسجدين أقرب إلى مساكن المسلمين.

٥ – المكتوب على لوحة الشارع إلى الآن MAS COMMUNITY CENTER وكل الإيميلات التي تصدر من المركز تؤكد ذلك أيضًا.

ما مصلحة بيع واستبدال المركز؟

١-  المركز مبنى قديم جدًّا فتكلفة الإصلاحات العارضة كثيرة؛ لأن فيه خرابًا نسبيًّا، وخرابه سيزداد مع الوقت بالتأكيد.

٢ – الخوف من اللصوص والعصابات أمرٌ واقعي بسبب موقع المركز الحالي وسط المدينة.

٣ – يوجد عدد كبير من المسلمين عبر المدينة لا مركز لهم؛ لأنه للأسف يوجد أربعة مراكز على بعد ثلاثة أميال وسط المدينة.

٤ – يوجد حاليًّا عرضٌ مفصَّلٌ موقَّعٌ بأيدينا من charter school ترغب في شراء المركز، وخلاصة الأمر في ذلك التخلص من بقية الدَّين بزيادة ٢،١٠٠،٠٠٠ دولار لبناء المركز الجديد.

٥ – وحاليًّا الجمعية وجدت عقارًا في مكان مناسب جدًّا ووصلوا إلى شبه اتفاق في المفاوضات بناء على بيع المركز الأصلي.

٦ – نستطيع أن ننقل كل خدماتنا إلى المكان الجديد وأكثر من ذلك بكثير في مكان ليس فيه مركز آخر.

٧ – عندما حولوا القاعة إلى مسجد في المركز اشتكت المساجد الأخرى أن هذا قريب جدًّا منها، وعندما فتحوا صلاة الجمعة اشتكوا أن هذا يشتت المسلمين ويفرق جمعهم حتى بعض الجهلة سموه مسجدَ الضرار.

٨ – كثير من متبرعي المدينة يعيشون في المكان الجديد ولا يتبرعون بالكثير للمركز الحالي بسبب بعده عنهم.

٩ – إذا أجبرنا على البقاء في هذا المركز مُؤمِّلين إنشاءَ مركز في المكان الجديد دون الاستبدال فإن الإحصائيات تشهد أن ذلك سيستغرق ما يقرب من عشر سنوات، وهذا ضياعُ جيل، خاصة مع دفع بقية الدَّين الذي على المركز الحالي وازدياد تكلفة إصلاحات الخراب فيه.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

فإن الوقف هو تحبيسُ الأصل وتسبيل الثمرة أو المنفعة، فهو إخراج الأصل عن ملك العبد إلى ملك الرب جل وعلا، وجعل ثمرته أو منفعته وقفًا على أعمال البر.

وقد تصلَّبَ علماءُ المسلمين عبر القرون في المحافظة على الأوقاف من خلال المحافظة على مقصود الواقفين وشروطهم، حتى قالوا: شرط الواقف كنصِّ الشارع، وبهذا التصلُّب بقيت أوقاف المسلمين ومساجدهم، ولم تصبح سلعًا تباع وتُشترى، كما هو الحال في معابد الملل الأخرى.

وفي هذا الإطار ينظر إلى قضية استبدال الوقف بوقف آخر، حيث لا يشرع ذلك إلا إذا تعطَّلَت منافع الوقف الأول، فخرح بذلك عن مقصود الواقف، أو وجد غيره أنفع للموقوف عليهم، وأقوم بمصالحهم، وأنفع للوقف من حيث استدامته، وتعميم الانتفاع به، وأرجى لتحقيق مقصود الواقف من حيث استدامة الأجر وتكثيره.

فإن من وقف على عمل من أعمال البرِّ مقصودُه أن يبقى هذا الوقفُ منتِجًا لثماره، ونافعًا لمن وقف عليهم، حتى يبقى أجرُه في ميزان حسناته، فمن وقف مسجدًا في أرض عامرة، ثم تحوَّل الناس عن هذه المحلة إلى محلة أخرى، وخلت من المنتفعين بهذا المسجد، ولم يعد المسجد محققًا لما يرجوه الواقف منه- أمكنَ النظرُ في نقله إلى حيث يُوجد المصلون المنتفعون بهذا الوقف، وبهذا إعمال لمقصود الواقف في استدامة الأجر والثواب.

ومثل هذا إذا كانت المصلحة في النقل تربو بصورةٍ بينة عن البقاء في المحلة الأولى، كما ذهب إليه المحققون من أهل العلم في بيع الوقف واستبداله بغيره للمصلحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد جوَّز أحمد بن حنبل إبدالَ مسجد بمسجد آخر للمصلحة، كما جوَّز تغييره للمصلحة، واحتج بأن عمر بن الخطاب أبدل مسجد الكوفة القديم بمسجدٍ آخر، وصار المسجد الأول سوقًا للتمَّارِين، وجوز أحمد إذا خرب المكان أن ينقل المسجد إلى قريةٍ أخرى، بل يجوز في أظهر الروايتين عنه أن يباع ذلك المسجد ويُعمر بثمنه مسجدٌ آخر في قرية أخرى إذا لم يُحتج إليه في القرية الأولى، فاعتبر المصلحة بجنس المسجد، وإن كان في قرية غير القرية الأولى، إذا كان جنس المساجد مشترك بين المسلمين»([1]).

ويقول في موضع آخر: «فصل في إبدال الوقف: حتى المساجد بمثلها أو خير منها للحاجة أو المصلحة، وكذلك إبدال الهدي والأضحية والمنذور، وكذلك إبدالُ المستحِقِّ بنظيره إذا تعذَّر صرفه إلى المستحِق، والإبدال يكون تارةً بأن يعوض فيها بالبدل، وتارة بأن يباع ويشترى بثمنها المبدل، فمذهب أحمد في غير المسجد يجوز بيعه للحاجة، وأما المسجد فيجوز بيعه أيضًا للحاجة، في أشهر الروايتين عنه، وفي الأخرى لا تباع عرصته بل تنقل آلتها إلى موضع آخر، ونظير هذا (المصحف) فإنه يُكْره بيعه كراهة تحريم أو تنزيه، وأما إبداله فيجوز عنده في إحدى الروايتين عنه من غير كراهة، ولكن ظاهر مذهبه: أنه إذا بيع واشتري بثمنه فإن هذا من جنس الإبدال؛ إذ فيه مقصوده، فإن هذا فيه صرفُ نفعه إلى نظير المستحِقِّ إذا تعذَّرَ صرفُهُ إلى عينه، فإن المسجد إذا كان موقوفًا ببلدة أو محِلَّة فإذا تعذَّرَ انتفاع أهل تلك الناحية به صرفت المنفعة في نظير ذلك، فيبنى بها مسجدٌ في موضع آخر كما يقول مثل ذلك في زيت المسجد وحُصْرِهِ إذا استغنى عنها المسجد تُصرف إلى مسجد آخر، ويجوز صرفها عنده في فقراء الجيران، واحتج على ذلك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقسم كسوة الكعبة بين المسلمين، فكذلك كسوة سائر المساجد؛ لأن المسلمين هم المستحِقُّون لمنفعة المساجد، واحتج على صرفها في نظير ذلك، بأن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه جمع مالًا لـمُكاتَبٍ ففضلت فضلةٌ عن قدر كتابته فصرفها في مُكاتَبٍ آخر، فإن المعطين أعطوا المال للكتابة فلما استغنى المعين صرفها في النظير»([2]).

وجاء في كتاب «فتح القدير» لكمال الدين ابن الهمام من فقهاء الحنفية: «الوقف يقبل الانتقال من أرضٍ إلى أرض، فإنَّ أرضَ الوقف إذا غصبها غاصب وأجرى عليها الماء حتى صارت بحرًا لا تصلُح للزراعة، يضمن قيمتها ويشتري بها أرضًا أخرى فتكون وقفًا مكانها، وكذا أرض الوقف إذا قلَّ نزلها بحيث لا تحتمل الزراعة، ولا تفضل غلتها من مؤنتها، ويكون صلاح الأرض في الاستبدال بأرض أخرى»([3]). اهـ.

ومن خلال النصوص السابقة أرى أن يأتمر القائمون على هذا الوقف بينهم بمعروف، فإذا تبيَّن رُجحان المصلحة في استبداله، وكان ذلك بإجماعهم، ولم يكن في ذلك إثارة فتنة بالنسبة للجالية، ولم يكن فيه ما لا تبلغه عقولهم فيكون لبعضهم فتنة- فلا أرى بذلك بأسًا. والله تعالى أعلى وأعلم.

([1]) «مجموع الفتاوى» (31/266).

([2]) «مجموع الفتاوى» (31/212).

([3]) «فتح القدير» (6/227-229).

تاريخ النشر : 14 فبراير, 2019
التصنيفات الموضوعية:   01 البيع, 13 مسائل الأقليات المسلمة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend