مشكلتي هذه هي مشكلة الآلاف من المهاجرين الجدد إلى الدول الغربية الذين تجاوزوا الأربعين من العمر، سواء كانوا من أصحاب الخبرة وحملة الشهادات أو متوسطي الخبرة.
إن إيجاد العمل في دول الغرب، خاصة كندا التي تملك نظامًا قاسيًا جدًّا في التوظيف أو العمل- صعبٌ جدًّا، بل يكاد يكون مستحيلًا في هذا العمر، وأقصد بعد الأربعين، فلا يبقى للشخص سوى مكان واحد للعمل وهو السوبر ماركت، والمسلمون الذين يخافون الله ويريدون الرزق الحلال والذين يعملون في هذه المحلات يشعرون بالقلق وتأنيب الضمير وعدم الراحة؛ وذلك لوجود اليانصيب في هذه المحلات، فاليانصيب قد أصبح في هذه البلاد مثل الماء والهواء، بل مثل الدم الذي يجري في العروق، وأصبح من ضمن حياتهم اليومية، فالشخص عندما يدخل إلى السوبر ماركت يشتري بطاقة، والذي يدخل إلى محطة البنزين يشتري بطاقة، حتى بعض المحلات الطبية الكبرى أصبحت تبيع اليانصيب.
والحكومة عادة مسئولة عن اليانصيب وقوانينه، وهي تُروِّج له وتتبنَّاه ويجلب لها عوائدَ كبيرة جدًّا، فلا نعرف أين نذهب وأين نعمل؟!
أنا لا أطلب من حضراتكم أن تصدروا فتوى بتحليل اليانصيب، ولكني أرجو منكم أن تتفهموا ظروفنا ووجهة نظرنا في الموضوع، وسأعطيكم مثالًا عني:
أنا وآلاف مثل حالتي، أعمل في سوبر ماركت كاشير، أي بياع، والسوبر ماركت فيه الجبس والشيكولاتة والعصير والأدوية وكل شيء، وفيه طبعًا اليانصيب، وأنا مسئول عن بيعه طبعًا.
أنا والله لم أفكر إطلاقًا في أن أشتري بطاقة واحدة في حياتي رغم كل المغريات، بل أحتقره وأشمئز منه وأفرح كثيرًا عندما تتعطل آلة اليانصيب أو يصيبها خلل ما، وأنا أنصح كل من يشتري بأن يترك هذه العادة السيئة، بل أستطيع وبسهولة أن أصبح مديرًا لهذا المحل ويتحسن وضعي كثيرًا جدًّا ولكني أرفض بسبب وجود اليانصيب، حتى إن هناك مساحة صغيرة جدًّا في الثلاجة فيها قطعة نقانق من لحم الخنزير، عندما أدخل المحل أقوم برفع هذه القطعة من واجهة العرض وأخبئها في الثلاجة ثم أرجعها في نهاية عملي.
إنني أحاول عملَ أقصى جهدي في طاعة الله وتجنُّب المعاصي، ونحن في هذه البلاد التي نجاهد فيها بتربية أطفالنا وقضاء ساعات يومية معهم في تحفيظهم القرآن الكريم واللغة العربية، لقد اضطررنا إلى العمل في هذه المحلات بعد أن سُدَّت في وجهنا كل الفرص، وخاصة بسبب أعمارنا الكبيرة وشكل وجهنا الشرق الأوسطي، فنحن غير مرغوبين في المصانع أو محلات الأزياء التي تقبل الفتيات في العمل لديها، وكثير من المواقع الأخرى التي يلعب التمييز فيها نوعًا من الموانع.
والمشكلة أن موقعنا في العمل هو بياع، فلا أستطيع رفض بيع شيء يطلبه المشتري ومنها بطاقة اليانصيب، إننا نطلب منكم مناقشة هذه المشكلة بروية ومن كل الزوايا وإعطاءنا رأيكم الكريم بها. ودمتم للمسلمين ذخرًا وسندًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فنحن نقدر الظروف القاسية التي تتحدث عنها، ونتفهم حرج حصول المسلم المغترب على عمل مناسب في هذه الأجواء، ولكن الضرورة تقدر بقدرها، ويجتهد في مدافعتها؛ ولهذا فإننا نقول لك:
ابقَ في هذا العمل بقدر مسيس حاجتك إليه، واجتهد في التماس البديل المناسب، واعقد العزم على الانتقال إليه عند أول القدرة عليه، وليرَ الله من قلبك أنك كاره لمباشرة المحرم بيعًا أو شراء أو تسويقًا، ونرجو أن يسعك عفو ربك في هذه المرحلة الانتقالية. والله تعالى أعلى وأعلم.