أنجبت ثلاثَ بنات وتريد أن تنجب ذكرًا لأنها لن تنجب بعد ذلك لسوء حالتها الصحية

أنا عمري ٣٢ وزوجي عمره ٤٨، متزوجة من ١٠ سنوات، وعندي ثلاث بنات، وأصبح عندي مشاكل في الحمل؛ حمل عنقودي سرطان، واستغرق العلاج سنةً كاملة، وأريد أن أحاول مرة أخرى ولكنني خائفة أن أُرزق بالبنت مرة رابعة؛ لأنها المرة الأخيرة، ولأن الأطباء حذروني من المرض أن يعود مرة أخرى إذا حملتُ، ولأنني أتمنى أن أُنجب ولدًا ذكرًا- أريد أن أحاول أن أعمل زراعة أنابيب من أجل تحديدِ الجنس لذكرٍ. هل هذا حرام أم لا؟ لا أريد أن أفعل شيئًا يُغضب الله. الرجاء أن تساعدني وتُفتي لي ولك جزيلُ الشكر.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا يدري المرءُ أيَّ أولاده أقربَ له نفعًا؟ الذكورَ أم الإناث؟ وإن الإنسان قد يدعو بالشَّرِّ دعاءَه بالخير، وكان الإنسان عجولًا(1).
فينبغي على الموفق أن يرضى بتدبير الله له، وأن يعلم أن اختيار الله له أولى من اختياره لنفسه، فالذي نحبه لك هو الرضا بما قسم الله عز وجل وترك الأمور لتدبيره وقضائه جل جلاله.
ومن حيث الحكم الفقهي البحت فقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي حول تحديد جنس الوليد، فأجازه بالوسائل الطبيعية كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحرِّي وقت الإباضة؛ لكونها أسبابًا مباحةً لا محذور فيها، ولم يجزه بالتدخلات الجراحية، وهذا نصُّ قراره في هذا المجال:
بعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة فإن المجمع يؤكد على أن الأصلَ في الـمُسلم التسليمُ بقضاء الله وقدره، والرضا بما يرزقه الله من ولد ذكرًا كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخِيرة فيما يختاره الباري جل وعلا.
ولقد جاء في القرآن الكريم ذمُّ فعل أهل الجاهلية لعدم التسليم والرضا بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} [النحل: 58، 59].
ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكرًا كان أو أنثى، بدليل أن القرآن الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولًا: يجوز اختيار جنس الجنين بالطرق الطبيعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها.
ثانيًا: لا يجوز أيُّ تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخُّل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرارٍ من لجنة طبية مختصة، لا يقلُّ عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريرًا طبيًّا بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخُّلٌ طبي حتى لا يُصاب بالمرض الوراثي، ومن ثمَّ يعرض هذا التقرير على جهة الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
ثالثًا: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفيات والمراكز الطبية؛ التي تمارس مثل هذه العمليات في الدول الإسلامية، لتمنع أيَّ مخالفة لمضمون هذا القرار. وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدار الأنظمة والتعليمات في ذلك.
ولكن الذي يظهر لي في خصوص حالتك بعد التأكيد على كل ما سبق، أنه إذا كانت هذه هي فرصتك الأخيرة للحمل لأسباب طبية، مع شدة تشوُّفِك إلى الولد الذكر، فلا أرى بأسًا في خصوص هذه الحالة من هذه المعالجة؛ لأن ما جاز التماسه بالدعاء جاز التماسه عند اشتداد الحاجة بالوسائل العلاجية، وقد سأل نبيُّ الله زكريا ربه ولدًا ذكرًا يرثه ويرث من آل يعقوب، ويبقى قرار المجمع ينصرف إلى الحالات العابثة، التي تنعدم فيها الضرورات والحاجات، ولا يدفع إليها إلا محضُ عقائد الجاهلية في كراهية البنات، وتفضيل الذكور على الإناث. والله تعالى أعلى وأعلم.

________________
(1) قال تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)} [الإسراء: 11].

تاريخ النشر : 18 مايو, 2025

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend