مقاضاة معمل تحاليل طبية لتشخيصه خطأ

كنت قد أُصبت منذ ثلاث سنوات بمرض السرطان والحمد لله على ما أعطى وقدر، وأنا راضٍ كلَّ الرضا بما يرضاه ربي -عز وجل- لي، عسى يكون كفارة للذنوب، وما ظني إلا كذلك بالملك الرحيم.
قام بتشخيص نوعه أحد المختبرات، وبناءً عليه تم تحديد نوع العلاج، وأخبرني الأطباء بعد ذلك أنني تماثلت للشفاء، إلا أنه على أَثَرِ تحليلات روتينية، اكتشف أحد الأطباء ارتفاعًا في مادةٍ هي مؤشر على نوع آخر من السرطان، وطلبنا من المختبر أن يُعيد قراءة العينات التي كان تم استئصالها في البداية؛ ليقر أنه أخطأ منذ البداية في تشخيص المرض.
المشكلة أن هذا النوع الثاني لا يمكن القضاء عليه إلا بجراحة أكثر دقة وأكثر اتساعًا، وهو ما لم يتم؛ للخطأ في التشخيص، كما أنه لا يستجيب نسبيًّا في حال تعذر الجراحة، إلا لعلاج مكلف جدًّا، يجب أَخْذه مدى الحياة، ولا يتوفر إلا في بلاد الغرب.
أما الجراحة الآن فهي غير متاحة؛ لأن الأطباء يرون أنه رغم مرور حوالي ثلاث سنوات، فإن المرض لم يتطور بالشكل الذي يسمح بتحديد موضعه.
وقد طلب مني رفع دعوى قضائية على هذا المختبر، أقله حتى يتحمل مصاريف العلاج. علمًا بأنني سبق وأن نويت العفو إكرامًا لوجه ربي عز وجل. ما حكم الشرع؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعل ما أصابك رفعة في درجاتك وحطًّا من خطيئاتك؛ حتى تمشي على الأرض وليست عليك خطيئة واحدة إن شاء الله(1).
أما عن الأخطاء الطِّبية فإن الطبيب يُسأل عن أخطائه الطبية إذا خالف أصول المهنة، أو إذا تطبب ولم يُعلم منه الطب؛ فإن من تطبب ولم يعلم منه الطب فهو ضامن، أما إذا اتبع الأصول المَرْعيَّة في مهنته، ثم حدثت تداعيات لا يد له فيها، ولا سلطان له عليها، فذلك محض قدرٍ من الله عز وجل، يصبر عليه المريض ويحتسب أجره على الله عز وجل، ولا يُسأل عنه الطبيب.
ولما كان المختبر قد أقر بخطئه، فإن هذا يُعطي لك الحقَّ في مقاضاته لتضمينه نتائج خطئه، ويبقى باب العفو مفتوحًا، ومن عفا وأصلح فأجره على الله(2)، لاسيما وقد سبق لك أن نويت العفو، ويومَ القيامة يُنادى:
أين الذين على الرحمن أجرهم؟ فلا يقوم سوى العافي عن الناس.
وعلى كل حال إن في الأمر سَعة: إن أردت أن تعفو فلك ذلك وأرجو لك المثوبة، وإن كانت الأخرى وقاضيت هذا المعمل فقد سعيت في حقٍّ، وليس في ذلك بغيٌ.
فانظر لنفسك أقرب الأمرين إليك، وقدِّم بين يدي قرارك بالاستشارة والاستخارة.
ونسأل الله أن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.

___________________

(1) فقد أخرج الترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في الصبر على البلاء» حديث (2398) من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ». وقال: «حديث حسن صحيح».

(2) قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40]

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   09 نواقض الإيمان., 14 متنوعات, 18 القضاء

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend