يا شيخ، لقد قرأت كثيرًا عن تحريم رسم ذوات الأرواح من إنسان أو دواب أو طيور، ولكنني كنت قد رسمتُ كثيرًا من الأرواح من قبلُ ولا أدري أنه حرامٌ، فماذا أفعل باللوحات مع أنني أحبها كثيرًا؟
وإنني كنت ذات يوم قد عرفت أنه حرام فبدأتُ أُخفي بعض الملامح هل يصحُّ؟ يعني أن أرسم وجه امرأة وشعرها بدون جسدها، فقط الوجه وهي ماسكةٌ وردةً، وأخفيت الأنفَ والفم لكن العينين موجودتان.
ورسمة ثانية هي طفلة وكأنها خجولة وواضعةٌ يدَها على وجهها ويظهر مِن وجهها فقط رأسُ الأنف والفم.
ورسمتُ مثلًا بنتًا لابسةً نظاراتٍ مُخفيةً للعينين لكن رأس الأنف والفم موجودان، هل يصحُّ أن أتابع الرَّسْم بهذه الطَّرِيقة؟
كما أن بعض رسماتي وأنا طفلة كانت عبارة عن حيوانات لكن على شكلٍ كاريكاتيري، فقمت بوضع خطٍّ على الرقبة هل يصحُّ أم لا؟ وإذا كان يصحُّ هل ينفع أن أرسم وجهًا مقطوعة رقبتُه بخطٍّ أم لا؟
كما أريد أن أسأل عن رسم الكارتون، فمثلًا يكون رسمه بعينين واسعتين جدًّا والأنف صغيرًا وغير واضحٍ والفم مُجرَّد خطٍّ من دون شفاه، هل يصح أم لا؟
وهل إذا قمت مثلًا برسم حيوان كاريكاتيري الشكل يصحُّ أم لا؟ يعني وجهه كبير وجسده صغير والعين كبيرة، وكرسم صفاتٍ غير معهودة في الحيوان، كأن يكون أسد خجولًا أو خائفًا؟
فما دام الرَّسْم حرامًا إذا ما رسم فيه الرسام ما فيه أرواح، وأنا نيتي ليست تحدِّي الخالق أو أنني أرسم أفضل من الخالق، ولكن نيتي فقط المتعة، وإنني أُحب الرَّسْم فأقوم بتقليد أشخاصٍ، كأن أرسم أختي أو أخي فقط بنية التسلية لأنني أُحب الرَّسْم ولكنني لا أعرف أرسم طبيعة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن المنع من الرَّسْم الذي يكون باليد لذوات الأرواح مما اتَّفَق عليه أهل الفتوى، وما كان منك قبل العلم فهو عفوٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].
وتغييرُك للملامح مقبولٌ إن كان ذلك بإبانة الرَّأْس أو بطَمْس الوجه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبيَّ ﷺ قال : «َأَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامٌ سِتْرٍ(1) فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي عَلَى بَابِ الْبَيْتِ يُقْطَعُ فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ»(2).
ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «الصورة الرَّأْس، فإذا قطع الرَّأْس فليس هو صورةً»(3).
ومحبَّتُك للرسم تغلبها محبَّتُك للشرع إن شاء اللهُ، وتتفوَّق عليها محبَّتُك لله ورسوله، فـ «لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لما جِئْتُ بِهِ»(4).
وفَّقكِ الله يا بنيتي وزادك حرصًا وتوفيقًا، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) الستر الرقيق من صوف ذو ألوان. انظر: «تحفة الأحوذي» (7/141).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في الصور» حديث (4158)، والترمذي في كتاب «الأدب» باب «ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة ولا كلب» حديث (2806) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(3) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (7/270) حديث (14357).
(4) أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول في أحاديث الرسول» (4/164)، والديلمي في «مسند الفردوس» (5/153) حديث (7791)، وأبو طاهر الأصبهاني في «معجم السفر» (1/375) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . وذكره أبو العز الحنفي في «الاتباع» (1/78) وقال: «رواه أبو حاتم في صحيحه، وذكره النووي في أربعين حديثًا وقال: رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح».