توجد منظمة تضم ممثلين عن النصارى، واليهود، والبوذيين، والسيخ، والبهائيين، والمورمونيين- طائفة من النصارى- تهتم بقضايا اجتماعية تهم المنتسبين لهذه الديانات والملل، فيتعاونون معًا على صد بعض الحملات الإعلامية التي تستهدف جماعة من بينهم، ويجتمعون كل سنة على حفل يسمونه يوم الموسيقا والصلوات، حيث يحضر الممثلون ومن يرغب من المنتسبين لهذه الديانات والملل، فيقوم ممثلًا عن كل دين وملة بأداء صلاته أمام الحضور، حتى ينتهي جميع الممثلين عن الديانات والملل من صلواتهم.
فما حكم الشريعة المطهرة في انضمام ممثلين عن المسلمين إلى هذه المنظمة؟ وما حكم الشريعة المطهرة في المشاركة في يوم الصلوات الجماعي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لا يشرع الانضمام لمثل هذه المنظمات التي تضم ممثلين لديانات مختلفة للتعاون على صد الهجمات الإعلامية التي تستهدف جماعة منهم والاشتراك في يوم الصلوات الجماعي على النحو الوارد في السؤال؛ وذلك لما يأتي:
أولًا: أن أعضاء هذه المنظمات يشتركون فيها باعتبار دياناتهم، أي أن الصفة الدينية معتبرة عند الاشتراك، ولا شك أن من دستور هذه المنظمات احترام هذه الديانات جميعًا والدفاع عنها عند الاقتضاء، فكيف يسوغ لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يشترك في تجمع يحمله دستوره على احترام ملل الكفر والشرك جميعًا، وتبني الدفاع عنها إذا تعرض لها أحد بالنقد والتجريح؟! وهل يقوم دين الإسلام إلا على إبطال الشرك وبيان عواره والإنكار على أهله؟! وهل يسع المسلم والحال كذلك أن يقرأ مثل قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة: 73]، وقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 17]. أم أن ذلك يعد من جنس الحملات الإعلامية على هذه الديانات؟! وهل يعني مثل هذا المسلك إلا إبطال الدعوة إلى الله وهدم حاجز الولاء والبراء بين الإسلام والكفر؟!
ومن ناحية أخرى فإن الاشتراك في يوم الصلوات الجماعي وما يتضمنه من توقير هذه المناسك وإظهار التبجيل لها وهي من مناسك الشرك والكفر لا محالة فهذا يتوجه بصلاته إلى المسيح، وهذا يتوجه بصلاته إلى بوذا، وهذا يتوجه بصلاته إلى وثنه الذي يؤلهه من دون الله، يعد من أبطل الباطل وأنكر المنكرات لما يتضمنه من الإقرار بمناسك الكفر والشرك، والالتزام المطلق بعدم الإنكار عليها بل الالتزام بالدفاع عنها ضد ما تتعرض له من الانتقادات والهجمات، فأي فقه هذا الذي يجيز للمسلم أن يكون نصيرًا للمشركين وظهيرًا للمجرمين؟!
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68].
وفي الآية دليل على تحريم مجالسة أهل الشرك والكفر وهم يخوضون في آيات الله عز وجل ، فكيف بمجالستهم وهم يمارسون شعائرهم الشركية في مقام يقتضي إظهار التبجيل والتوقير لهذه المناسك، وفي ظل تحالف على الدفاع عنها عند الاقتضاء؟! وقال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ [هود: 113].
وإذا كانت الشريعة المطهرة قد جاءت بالتثريب على أهل البدع ومهاجرتهم في الله خشية أن يروج على أهل الحق من هذيانهم وأباطيلهم ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فكيف بالمشركين وعبدة الأوثان؟!
يقول الشوكاني: «ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات، ولاسيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما يتفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه، فيعمل بذلك مدة عمره، ويلقى الله به معتقدًا أنه من الحق وهو والله من أبطل الباطل وأنكر المنكر»(1).
فإذا كان هذا كلامه في أهل البدع من هذه الأمة فكيف بأهل البدع الكفرية من أهل الملل الأخرى؟!
ولا يصح قياس ذلك على الأحلاف التي كانت في الجاهلية والتي لم يزدها الإسلام إلا قوة كحلف الفضول ونحوه؛ لأن هذه الأحلاف كانت على نصرة المظلوم فيما يتعرض له من مظالم دنيوية، ولم يكن في شيء منها الالتزام بالدفاع عن ديانات المشركين والكافرين، أو الاشتراك معهم في صلوات جماعية، وإسباغ الشرعية على مناسكهم الشركية، فالذي يتحرر من هذا عدم مشروعية الانضمام لمثل هذه المنظمات لما ذكرنا من المحاذير والمفاسد.
ما حكم الحلف في الإسلام؟
إن الحِلْفَ في اللغة هو العهد يكون بين القوم، ولا يخرج مدلوله الشرعي عن هذا المعنى، فهو المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، ولقد وردت بعض النصوص الشرعية في النهي عن التحالف في الإسلام نذكر منها:
• قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً» رواه مسلم عن جبير بن مطعم(2).
• وقوله صلى الله عليه وسلم : «أَوْفُوا بِحِلْفِ الجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ- يعني الإسلام- إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ» أخرجه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده(3).
• وقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح عندما قام في الناس خطيبًا وقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ»(4).
ويقابل هذه النصوص ما رواه البخاري عن عاصم الأحول قال: قلت لأنس بن مالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ»؟ فقال: قد حالف النبي بين قريش والأنصار في داري(5).
وفي رواية مسلم: فقال أنس: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره(6).
وقد عقد البخاري بابًا في الصحيح فقال: «باب الإخاء والحلف».
وجمع أهل العلم بين هذه النصوص بأن الحلف المنهي عنه هو الحلف على ما منع منه الشرع، كالذي كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالمًا، ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها، ومن التوارث ونحوه، وأما ما كان من هذه الأحلاف على نصر المظلوم والقيام في أمر الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق والعدل فهذا باقٍ لم ينسخ.
وقال النووي: «وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَام» فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه. والله أعلم»(7).
ويقول ابن حجر في «الفتح»: «وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث، لأن فيه نفي الحلف وفيما قاله هو إثباته، ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالمًا، ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك، والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم، والقيام في أمور الدين، ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والموادة وحفظ العهد»(8).
وقال ابن الأثير: «أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم : «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ». وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه: «وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً» يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام»(9).
ولا يخفى أن الحلف على الدفاع عن ملل الشرك والاشتراك في أداء جماعي للصلوات على النحو الوارد في السؤال يعد من جنس ما نهى عنه الشرع فيكون محرمًا وباطلًا بلا نزاع. والله تعالى أعلى وأعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «فتح القدير» للشوكاني (2/128).
(2) أخرجه مسلم في كتاب «فضائل الصحابة» باب «مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين الصحابة» حديث (2530) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه .
(3) أخرجه الترمذي في كتاب «السير» باب «ما جاء في الحلف» حديث (1585)، وقال: «حديث حسن صحيح»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (2553).
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/180) حديث (6692)، وابن خزيمة في «صحيحه» (4/26) حديث (2280)، والبيهقي في «سننه الكبرى» (8/29) حديث (15690)، من حديث عبد الله بن عمرو ب، وحسنه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (3496).
(5) أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «الإخاء والحلف» حديث (6083).
(6) أخرجه مسلم في كتاب «فضائل الصحابة» باب «مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه» حديث (2529).
(7) «شرح النووي على صحيح مسلم» (16/82).
(8) «فتح الباري» (10/502).
(9) «النهاية في غريب الأثر» لابن الأثير (1/424- 425).