حــول نفــى الأمـيـة عـن النبـىﷺ 

جاءتني رسالة يقول صاحبها أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان كاتبًا وقارئاً بل كان يجيد ثلاثًا وسبعين لغة! وأن الأمية التي ذكرت في النصوص لا تعني عدم العلم بالقراءة والكتابة!!
بل هي من النسبة إلى أم القرى (مكة) وأنه يجب تصحيح هذا الخطأ التاريخي! ونفي هذه النقيصة عن النبـىﷺ .
فما تعليقكم على هذه المقولة التي يقول مرسلها أنها لا تقدر بثمن؟!
أفتـونـا مأجورين أثـابكـم الله . .
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول اللهﷺ،وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـــد:
فهـذا القـول قـالـه أحـد رجـليــن :
إما عدو ماكر يريد نفي الأمية عن النبيﷺليتذرع بذلك إلى نفي نبوته والطعن في عصمة القرآن الكريم والإدعاء بأنه مما نقله النبي ﷺ من كتب أهل الكتاب!
ليجدد بذلك قول من قالوا ما قصه علينا القرآن الكريم بقوله:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)
أوقول صديق غافل يريد أن ينفي بها في وهمه نقيصة الأمية عن النبي ﷺغافلاً عن أن الأمية ليست صفة نقص في حق النبي ﷺ لأنها السبيل إلى تأكيد عصمته ونبوته، ومصدرية الوحي الذي جاء به
فأمية النبيﷺصفة كمال فى حقه لأنها تأكيد لعصمة كتابه وإثبات لنبوته،كما قال تعالى:( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ)

فلا يعدو هذا القول من قائله – إن صح قصده، وسلم من الخبث وسوء الطوية -أن يكون ذهولاً من صاحبه عن الأدلة القواطع التي تحتشد لإثبات هذه الأمية وتقررها بما لا يدع مجالًا للشك، ومن هذه الأدلة:
▪️قوله تعالي:﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157].
وتكاد تطبق مجامع اللغة وعلماء اللغة على أن (الأمي) هو الذي لا يقرأ ولا يكتب.
قال الإمام الواحدي:
“﴿الذين يتبعون الرسول النبيَّ الأميَّ ﴾، وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ، وكانت هذه الخلَّة مؤكِّدة لمعجزته في القرآن.
▪️قوله تعالي:﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 48].فهذه الآية واضحة تمام الوضوح، فالله عز وجل يقول له: إنك يا محمد ﷺ قبل أن ينزل عليك القرآن لم تكن عندك المقدرة أن تقرأ كتابًا، أو تكتبه بيدك، ولو كانت عندك هذه المقدرة، لتشكك المتشككون في القرآن الكريم، وقالوا: إنه من تأليف محمدﷺ ؛ حيث نقله من الكتب السابقة التي قرأها واطلع عليها.

ومنها حديث بدء الوحى الذي رواه الإمام البخاري عن أمنا عائشة رضي الله عنها و فيه:
(فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فقال لي اقرأ، قال: قلت ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم، قال: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع …)
فالحديث يظهر بما لا يدع مجالًا للشك أن الرسولﷺ كان لا يقرأ ولا يكتب، بدليل قوله لجبريل: ما أنا بقارئ؛ أي: لا أعرف القراءة ولا أجيدها، فكيف أقرأ؟

ومنها ‎حديث البراء بن عازب عن صلح الحديبة؛ الذي رواه البخاري ومسلم وفيه:( فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ، وَلكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ»، قَالَ: وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ، قَالَ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: «امْحَ رَسُولَ اللَّهِ» فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لاَ أَمْحَاهُ أَبَدًا، قَالَ: «فَأَرِنِيهِ»، قَالَ: فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ)
ففى هذا الحديث صرح البراء بن عازب أن النبي ﷺكان لا يكتب،لذلك لما رفض علي أبي طالب رضي الله عنه أن يمحو كلمة (رسول الله)، قال له النبيﷺأرني مكانها، فأراه علي بن أبي طالب مكانها، فمحاها النبيﷺبيده.
ومنها أن الرسولﷺ اتخذ لنفسه كتابًا يكتبون الوحي، ولم يذكر التاريخ أنه ﷺ قام بكتابة الوحي بنفسه ولو لمرة واحدة، ولو كان يجيد القراءة والكتابة لفعل ذلك ونقل عنه!

ومما يؤكد هذا ما رواه البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حيث يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 95]، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: ﴿ لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾ [النساء: 95] [13]، فلو كان النبيﷺيقرأ ويكتب لماذا بعث إلى زيد رضي الله عنه لكي يأتي له ليكتب هذه الآية.

ومنها الشهرة المستفيضة عند كافة العلماء أن الرسول كان أميًّا، حتى يكاد أن يكون إجماعًا بينهم، نرى ذلك عند علماء اللغة، وأصحاب الحديث، والمفسرين، وأصحاب السير، فهل يعقل أن يكون كل هؤلاء قد خفيت عليهم الحقيقة، وأنهم كانوا يعتقدون وهمًا، حتى أتى هؤلاء المتشككون بعد هذه السنين المتطاولة، ليصححوا خطأهم، ويظهروا لهم ما خفي عليهم؟ بل خفي على الأمة كلها بزعمهم ؟!
ألا ساء ما يحكمون! وبئس ما يظنون!

هذا وباللهِ التوفيـق و الله أعـلىٰ وأعلـم

تاريخ النشر : 30 أبريل, 2021
التصنيفات الموضوعية:   06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend