حــول السفـر مـن مـدينـة إلى آخـرى في ظـل وبــاء كـورونـا

ســـــؤال:جـوز السـفـر مـن مـدينـة إلى أخـرى مثـلاً مـن هيوستـن إلى دالاس في ظـل هـذا الـوبـاء والبـلاء مـع العلـم أن المرض منتشر في العالم كله فما الحكم في ذلك؟
وأنا لا أريد أن أكون آثمه وعاصيه بخروجي من مدينة إلى مدينة أخرى؟!

الجـــــواب:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحِيم
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول اللهﷺ،وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـــد:
فلقد صحت النصوص في النهي عن الدخول إلى أرض وقع بها الطاعون ، ونهانا أيضًا عن الخروج من أرض وقع بها الطاعون.
•ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ :
(إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني:الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) .
•وفي الحديث المتفق عليه أيضًا عن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:(الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) .
والطـاعــون قيل:هو مرض خاص معروف عن العلماء والأطباء، وهو قُرُوح تَخْرُج فِي الْجَسَد ،
وقيل:بل هو كل مرض عام (وباء) ، يؤدي إلى وفاة الكثيرين من الناس .
وهذه الأحاديث تدل على أن النهي خاص بمن خرج من بلد الطاعون (أو الوباء) فرارًا منه ، أما من خرج لقصد آخر ، كتجارة أو دراسة أو عمل، فلا يشمله النهي .
وقد نص على هذا التفريق غير واحد من أهل العلم، بل حكى بعضهم اتفاق العلماء على ذلك.
قال النووي في “شرح صحيح مسلم”:
(وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث :مَنْع الْقُدُوم عَلَى بَلَد الطَّاعُون ، وَمَنْع الْخُرُوج مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ .أَمَّا الْخُرُوج لِعَارِضٍ : فَلَا بَأْس بِهِ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز الْخُرُوج بِشُغْلٍ وَغَرَض غَيْر الْفِرَار ، وَدَلِيله صَرِيح الْأَحَادِيث ) انتهى .
وقال ابن عبد البرفي”التمهيد” (21/183)
وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت ، من موضع الطاعون ، للسفر المعتاد ، إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون” انتهى .
وقال ابن مفلح في “الآداب الشرعية” (3/367) :
وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ وَلَسْت فِيهِ : فَلَا تَقْدَمْ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كُنْت فِيهِ : فَلَا تَخْرُجْ مِنْهُ ، لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ ، وَمُرَادُهُمْ فِي دُخُولِهِ ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ : لِغَيْرِ سَبَبٍ ، بَلْ فِرَارًا ؛ وَإِلَّا : لَمْ يَحْرُمْ ” انتهى
وقد زاد الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري” (10/1990) هذه المسألة تفصيلاً ؛ فذكر أن الخروج من بلد الطاعون له ثلاث حالات :
1⃣ الحــالـة الأولى:
أن يخرج فراراً منه لا لقصد آخر ، فهذا يتناوله النهي بلا شك .
2⃣ الحــالـةالثـانيـة:
أن يخرج لقصد آخر غير الفرار ، كالعمل ونحوه ، فلا يدخل في النهي ، وهذا القسم هو الذي نقل النووي رحمه الله الاتفاق على جوازه .
3⃣ الحــالـةالثـالثـة:
أن يخرج لعمل أو غيره ويضيف إلى ذلك قصد السلامة من الوباء ، فهذا قد اختلف العلماء فيه ، وذكر الحافظ ابن حجر أن مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه جواز الخروج في هذه الحالة .
وهو ما اختاره الإمام البخاري فإنه قد ترجم في صحيحه:”من خرج من الأرض التي لا تلائمه”، وساق حديث العرنيين،يستدل به على جواز ذلك ، وفي هذا الحديث:أن جماعة أتوا إلى النبي ﷺفي المدينة وأظهروا الإسلام ، ولكنهم أصابهم مرض من جو المدينة ، حيث لم يوافق أجسامهم ، فأمرهم النبيﷺأن يتداووا من ذلك بألبان وأبوال الإبل ، فخرجوا من المدينة لأن تلك الإبل كانت في مراعيها .وقد ذكر البخاري ذلك قبل ذكره للحديث الذي فيه النهي عن الخروج من أرض الطاعون فرارا منه ، فقال الحافظ ابن حجر تعليقا على ذلك قوله :” بَاب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْض لَا تُلَايِمُهُ ” وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْده فِي النَّهْي عَنْ الْخُرُوج مِنْ الْأَرْض الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُون:لَيْسَ عَلَى عُمُومه ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوص بِمَنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى” انتهى.
▪︎وقال الشيخ ابن عثيمين في “شرح رياض الصالحين” (6/569) :”والطاعون وباء فتاك والعياذ بالله ، قال بعض أهل العلم:إنه نوع خاص من الوباء ، وأنه عبارة عن جروح وتقرحات في البدن تصيب الإنسان .وقيل:إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها ، وهذا أقرب ، فإن هذا إن لم يكن داخلاً في اللفظ ، فهو داخل في المعنى ، كل وباء عام ينتشر بسرعة، فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على البلد الذي حل فيها هذا الوباء ، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه .
▪︎أما خروج الإنسان منها ، لا فرارًا منه ، ولكن لأنه أتى إلى هذا البلد لحاجة ثم انقضت حاجته ، وأراد أن يرجع إلى بلده : فلا بأس” انتهى .
▪︎وقال أيضا في “الشرح الممتع” (1/110-111) : “وبالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟قال النبيﷺ:(لا تخرجوا منه ـ أي من البلد الذي وقع فيه ـ فراراً منه) ، فقيد النبي منع الخروج إذا كان فراراً ، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده ، فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب” انتهى
فلا حرج عليك يا امة اللهً في السفر لحاجة اذا لم يكن المقصود بالسفر الفرار من الطاعون
هذا وباللهِ التوفيـق و الله أعـلىٰ وأعلـم

تاريخ النشر : 30 أبريل, 2021
التصنيفات الموضوعية:   06 قضايا فقهية معاصرة

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend