أنا طالبة في الصف الثالث المعماري، أرجو منكم الإجابة عن سؤالٍ يُؤرِّقني دائمًا، فأنا دخلتُ الهندسة المعمارية رغبةً وحبًّا لهذا الفرع، وعلمًا بأنني استخرتُ الله في ذلك أكثر من مَرَّة، ولكن بعد أن دخلتُ ورأيت حقيقة التَّخصُّص وجدتُه مصدرَ إيذاءٍ كبير لي في حياتي، حيث إنني طموحة والمشكلة أنني أرى نفسي أكبر مما هي، وأعتقد أن مؤهلاتي لا تمكنني من الوصول إلى مرامي، وأنا ألوم نفسي كلَّ يوم على اختياري هذا، والبعض يقول: إنه قسمة الله. فإن كان كذلك رَضِيتُ بها، ولكن الإنسان مُخيَّر في كثيرٍ من الأمور، فهل هذا الأمر كنتُ مُخيَّرةً فيه وأسأت الاختيار أم أنه قدري.
وهناك أمر آخر وهو أنني لاحظت في الآونة الأخيرة أنه قد أصابني فتورٌ شديد وأصبحتُ أُفكِّر في توافه الأمور وفي الجنس كثيرًا، فهل هذا يدخل في حساب العين والحسد، أم أنني الـمُلامة في كلِّ ما تقدَّم أعلاه؟ وأشكركم لأنكم موجودون للإجابة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الإنسان إذا همَّ بالأمر يركع ركعتين من غير الفريضة ويستخير ربَّه عز وجل ، بعد أن يكونَ قدَّم بين يدي ذلك بالاستشارة، ثم يمضي في طريقه، فإن كان خيرًا يسَّره الله وإن كانت الأخرى صَرَفه(1).
فإن كُنتِ قد اتَّخذت الأسباب المشروعة من الاستشارة والاستخارة فما يجري بعد ذلك لا تحسبيه شرًّا لك بل هو خيرٌ لك إن شاء الله(2)، ولعلها فترةُ ابتلاءٍ عارض أرجو أن تنقضي سريعًا ثم يعود إلى نفسك صفاؤها وشفافيتها واهتمامها بمعالي الأمور.
أكثري يا بنيتي من الذِّكْر وقراءة القرآن، واحرصي على صحبة الخيِّرات المتدينات، واعلمي أن اختيار الله للعبد أولى من اختيار العبد لنفسه.
ونسأل اللهَ أن يربط على قلبك وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقد أخرج البخاري في كتاب «الدعوات» باب «الدعاء عند الاستخارة» حديث (1166) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: إذا همَّ بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب؛ اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به. ويسمي حاجته.
(2) قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].