كيف نفهم هذه الأحاديث: «مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(1).
وحديث: «مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»(2)؟
كنت دائم الاعتقاد أن كل شيء من القرآن والسنة يجب أن يؤخذ بصورة حرفية بالمعنى، إلا أن يوجد نص يمنع ذلك، أقرأ حاليًّا في كتاب يتحدث عن الجماعة وعن البيعة للخلفاء والأحاديث المختلفة حول ذلك، وعرفت أن بعض الصحابة لم يبايعوا الإمام في عصرهم.
س: هل يعتبر ذلك خروجًا عن الجماعة؟ وقد شرح المؤلف أن هذه الأحاديث لا تشير إلى أعمال تؤدي إلى الخروج من ربقة الإسلام بالضرورة، أجد نفسي أوافق المؤلف على رأيه فيها، لكن تفسيره وشرحه لا يقنعني، لأنه يسرد مقولة للنووي، والنووي يستدل في تعليقه بما ليس له أساس، أجدني بمعلوماتي المتواضعة لا أستطيع فهم ذلك؛ ولهذا فإني أكتب إليك.
____________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأحكام» باب «السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية» حديث (7143)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن» حديث (1849) من حديث ابن عباس ب.
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/130) حديث (17209)، والترمذي في كتاب «الأمثال» باب «ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة» حديث (2863)، والحاكم في «مستدركه» (1/582) حديث (1534). من حديث الحارث الأشعري . وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (3694).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لزوم الجماعة في النصوص الشرعية قد يأتي بمعنى:
• لزوم الحق واتباع السنة.
• أو الطاعة لخليفة المسلمين الذي يجتمع عليه المسلمون قاطبة.
ومفارقة الجماعة بالمعنى الأول قد تكون:
• ردة عن الإسلام إذا تعلقت المفارقة بأصل الدين، كهذا الذي وقع من القاديانية، فقد خرجوا عما عليه المسلمون عامة من القول بختم النبوة بمحمد ﷺ، واتبعوا ما ادعاه «ميرزا» غلام أحمد من النبوة، فصاروا بذلك كفارًا مرتدين.
ومفارقة الجماعة بالمعنى الثاني قد تكون بغيًا أو حرابة:
• والبغي هو الخروج على السلطان الحق بغير حق.
• والحرابة هي الخروج لمجرد سفك الدماء وقطع الطريق واستلاب الأموال وإخافة السبيل، وكل ذلك من الكبائر.
والفرق بينهما: أن البغاة متأولون في خروجهم، فهم يظنون أنهم بذلك يقيمون العدل ويقومون المعوج، أما المحاربون فليس لهم في خروجهم غاية إلا إخافة السابلة وترويع الآمنين واستلاب الأموال وانتهاك الحرمات!
• والنصوص الشرعية يجب أن تفهم في ضوء ما فهمه منها السلف الصالح رضوان عليهم، وبصفة خاصة صحابة النبي ﷺ، فقد كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا.
• والذين لم يبايعوا من الصحابة كان ذلك منهم عن اجتهاد وتأول، ولفترة مؤقتة، وأعمال الصحابة ما بين سعي مشكور أو ذنب مغفور، وأهل السنة وسط في باب الصحابة بين من يؤثمون ومن يعصمون، والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.
وإن كان كلمة في النهاية، فإننا نذكر بأن لأهل العلم مقامًا يجب أن يحفظ، وحقوقًا يجب أن تصان، والحديث عنهم ينبغي أن يكون بما يليق بهم من التوقير والإجلال، فإن من إجلال الله تعالى إكرام السلطان وإكرام حملة العلم.
وفقني الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه، وحملنا وإياك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.