فقد قمت بقراءة بعض المقالات لسيادتكم وكنت أجهل معرفتكم. وأريد أن أسأل فضيلتكم سؤالًا:
هل ترى حلًّا للموقف الراهن بمصر الآن؟ وما هو دور المصري الشريف في هذه المحنة؟ ومع أي جانب يقف؛ السيسي أم الإخوان؟
أرجو تحديد الإجابة في نطاق السؤال حتى أستنير وأنتفع من رأيكم. فوالله إني أرى فيك الخير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فحيَّاك الله وكتب لك أجرَ المرابطين الصابرين. ولا يخفى على المتأمِّل أن المقابلة ليست بين السيسي والإخوان، وإن ظهرت كذلك بادي الرأي، فقد لا يكون السيسي هو الخيار الأسوء، وقد لا يكون الإخوان هم الخيار الأفضل، ولكنها بين فكرتين وثقافتين وحضارتين: بين علمانية الدولة وعسكرتها، وفصلها عن تراثها وهويتها الإسلامية من ناحية، وبين استعادة الدولة هويتها الإسلامية في إطار من الوسطية والتعددية وقبول المخالف، أي مدنيَّة الدولة في إطار مرجعية الشريعة، والإيمان بثوابتها، من ناحية أخرى.
وعندما تكون المقابلة على هذا النحو فقد حُسِم الخيار، وتقرر الاختيار، فالولاء للإسلام وللشريعة وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتلك هي هوية الأمة وثقافتها وتاريخها، وما العلمانية إلا ثقافةٌ وافدة، يروِّجُها تُجار الشنطة الثقافية في مجتمعاتنا، وبصمة ووصمة للاستعمار في ديار الإسلام، واختراق غربيٍّ للعقل المسلم، جاءت مع سنابك خيول المستعمِر، الذي وطئت خيوله صحنَ الأزهر، وداست قدسه بسنابكها.
وليست الخصومَةُ مع الجيش، فالجيش هو درع الأمة وآخر ما تبقى لها من حصونها وجيوشها، والعاقل لا يعقر نفسه، ولا يُطلِق الرصاص على ساقه، ولكنها مع قلَّة منه اختارت نقضَ العهد، والانقلابَ على الشرعية، واستباحت دماءً محرمةً في شهر مبارك فضيل.
وهذا الضغط الشعبي الذي يُمارس عليها لردِّها إلى الجادة، وحملها على القبول بالحقِّ والعدل، ويوم أن تقبل به ستُحمل على الأعناق، وسيصفق له القاصي والداني، فهو نصرة لها على الشيطان والهوى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِـمًا أَوْ مَظْلُومًا». فقال رجل: يا رسول الله أنصُره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»(1). فهم في نهاية المطاف جزءٌ من الأمة نريد أن نردَّه إلى جادتها.
أما المخرج من هذه الأزمة فلا بديل من الحلِّ السلمي الدستوري، الذي يُمكن تفعيلُه مع استمرار الاحتشاد السلمي، حتى تقبل به النُّخبَة العسكرية الحاكمة. وقد قُلت في مقالة سابقة: يتعيَّن على عقلاء مصر وحكمائها بدءًا من مشيخة الأزهر مرورًا بالرموز الوطنية والشعبية والدينية التداعي إلى المخرج السلمي والدستوري لهذه الأزمة، وفيما طرحناه من قبل من مبادرة مجدولة مخرجٌ يُمكن تطويره مع الخبراء والمتخصصين، وقد أشار إلى كثير منه الدكتور العوا حفظه الله، وآخرون من فقهاء السياسة والقانون الدستوري.
وأرى أنَّ من الضروري دعمَ هذا التوجُّه، بحِرَفِيَّة ومِهَنية عالية، وذلك بصياغته صياغةً قانونية وسياسية دقيقة، وحشد أكبر قدر ممكن من النخبة والرموز الوطنية حوله، وفي مقدمتهم قادةُ الأحزاب الدينية وشيوخها، وأساتذة القانون الدستوري وقادة التيار الليبرالي الوطني الذي يرفض العَسكرة والقهر والانقلاب على قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وأرى استمرارَ الحشد السِّلمي، وتبنِّي هذا المخرج ودعمه.
كما أرى ضرورةَ مراجعة التصريحات العنترية التي لا تعكس واقعًا من ناحية، وتستفزُّ المراقب من ناحية أخرى، أو يستغلها الخصومُ في إثارة ريبته ومخاوفه على الأقل.
هذا هو ما بدا لي في الإجابة على سؤالك. والله من وراء القصد، وهو جل وعلا أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الإكراه» باب «يمين الرجل لصاحبه: إنه أخوه» حديث (6952) من حديث أنس رضي الله عنه.