بعض أفراد عائلتي وأصدقائي يبررون ويفوِّضون، بل وربما يفرحون في قتل الأبرياء الذي يحدث في مصر الآن بحُجَّة مكافحة الإرهاب، ومهما أحاول أن أفهمهم لا فائدة، وأصبحت الآن غير قادر على النظر حتى في وجوههم، فهل يجوز مخاصمتهم أو مقاطعتهم في الله؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم(1). ولقد كان مكرُ الليل والنهار من الإعلام طوالَ هذه الفترة، ودأبه على شيطنةِ العمل الإسلامي ورجاله، فاختطف أذهانًا، وزيَّف وعيًا، وغيب مشاعر، وطمس بصائر. وظاهَرَهُ على ذلك بعضُ المنتسبين إلى الدِّين من المتأوِّلين، أو من المغيبين، فكان هذا الذي يحزنك من قومك!
ولا يكون الحلُّ بالمقاطعة كموقف عام، وإنما بالصبر والمصابرة والكلمة الهادئة والحجة الدامغة، فإن عجزت فبتجنُّب الخوض في هذه القضية؛ إلى أن تنجليَ هذه الغمرة، والسواد الأعظم من العوام يا بُنيَّ سريعوا التغيُّر، لا ثبات لهم على موقف.
إن الذين كانوا بالأمس يهتفون بسقوط حُكم العسكر هم الذين يرَوْن اليوم في العسكر الـمُنقذ والمخلص، وبعض من ثاروا على مبارك بالأمس يُهلِّلون اليوم لإطلاق سراحه، ولا يمانعون في إعادة ترشيحه، ومنهم من يدعم حملة (آسف يا ريس).
وبنفس المنطق فإن من يُهللون اليوم لمحنةِ التيار الإسلامي سينشدون فيهم غدًا قصائدَ المديح، وسيملئون الدنيا حديثًا عن مناقبهم بعد حين. فلا تذهب نفسُك عليهم حسرات.
أما من تولَّوا كِبر هذه الشيطنة وهذا التزييف، فسيُرَدُّون على ربهم وسيُوقَفون بين يديه، فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم؛ {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [مريم: 38].
وصفوة القول يا بُني: لا تصلح المقاطعة قاعدةً عامة، ولكن قد تصلُح علاجًا مرحليًّا في بعض المواقف الخاصة، ولكن القاعدة هي المخالطة والمصابرة والمناصحة. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/43) حديث (5022)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة الحوض» حديث (2507)، وابن ماجه في كتاب «الفتن» باب «الصبر على البلاء» حديث (4032) من حديث ابن عمر ب قال: قال رسول الله ﷺ: «الْـمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْـمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (939).