معالم الرشد في العمل الدعوي العام(2)

هل من طريق إلى تدين هادئ ينأى بي عن الفتن والدسائس، ولا أدخل به في هذه الكيانات المتحاربة: إخوان، سلفيين، تبليغيين، جهاديين، تحريريين، جماعة إسلامية؟ ففي كل سبيل من هذه السبل شُعَبٌ وفصائلُ، وعلى رأس كلٍّ منها إمامٌ وزعيمٌ.
أما يوجد تديُّنٌ هادئ يعبُد الناسُ فيه ربَّهم، ويصلحون فيه من أنفسِهم، بعيدًا عن هذه الصراعات الحزبية والسياسية؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلم تتعين هذه التنظيمات طريقًا لتديُّنٍ هادئ ولا غير هادئ، فقد كان الإسلام والتديُّن قبل أن توجد، وسيبقى ولو زالت جميعًا عن بكرة أبيها، وإنَّ أقصى ما يمكن أن يقال بشأن هذه الكيانات الدعوية:
إن الاجتماع على أعمال الخير، والتعاقد على ذلك، والتزام الطاعة لقيادة في هذا الاجتماع في غير معصية، مما يتسعُ له النظرُ الشرعي، وتدعمه الأصولُ والأدلة الشرعية، شريطةَ أن لا يُفضي ذلك إلى التعصُّب الحزبي، الذي يحمل على تعصب الشخص لمن كان معه بالحقِّ وبالباطل، والإعراض عن من لم يكن معه؛ سواء أكان على الحق أم على الباطل، فإن أفضى إلى ذلك توجَّه القولُ بمنعه.
وإن التجمعات الإسلامية المعاصرة لَبِنَاتٌ في بنيان جماعة المسلمين، وخطوات عملية في الطريق إلى إقامتها بمفهومها العام والشامل، ما استقامت على منهج أهل السنة، وبرئت من عقدة التعصُّب الحزبي أو الطائفي، وإنه لا بأس بتعدد هذه الكيانات الدعوية على أساس التخصص والتكامل، مع الاتفاق في الأصول الاعتقادية، والتَّغافُر والتناصح في المسائل الاجتهادية، والتقائها على وَحدة الموقف في المهمات والمسائل العظام، وبهذا يُصبح تعدُّدها تعدُّدَ تنوع وتخصص، وليس تعدُّدَ تنازع وتضاد.
وقد لا يكون المحذورُ في وجود هذه الكيانات في ذاتِه، وإنما فيما يقعُ بينها من تراشق بالتُّهم، ومن تقاذف بالتبديع والتفسيق والتكفير والتخوين في بعض الأحيان، ولعلَّ مردُّ كثير مما شاب هذه التجمعات الدعوية في واقعنا المعاصر من شوائب التعصُّبُ إلى الكبتِ والاستبداد ودسائس الخصوم.
ولابد من التأكيد على دعم العمل الإسلامي العام الذي يدورُ في فلك الأمة بمفهومها الواسع، ليتكامل مع العمل الإسلامي التنظيمي أو المؤسَّسي التي جرت عليه الجماعات الدعوية في واقعنا المعاصر، استيعابًا لطاقات الرموز الدعوية الكبرى التي يعسُر حسبانُها على فصيل معيَّن من فصائل العمل الإسلامي، ولا يجمُل إلا أن تكون مِلكًا لكل الأمة.
والكيان الدعوي الذي لا يلتزم سُننَ الرشد في دعوته لا يكون بحالٍ مؤهلًا للاستخلاف والتمكين، بل يقضي على نفسه بالتهافُت والاضمحلال، وسبيله إلى التراجع والانكسار لا محالة؛{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } [الرعد: 17]. والله تعالى أعلى وأعلم.

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend