ما يسع المسلم فعله شرعًا وسياسة تجاه جرائم الاغتصاب التي تحدث في ظل الغياب الأمني

في ظل الإرهاب الأمني والسياسي والقانوني، انتشرت جرائم الاغتصاب من قبل بعض البلطجية أو بعض رجال الشرطة، نكاية في أهل الدين أو في المعتقلين منهم، وكسرًا لأنوفهم، وإذلالًا مهينا لهم، فما هو الحكم الشرعي تجاه ذلك؟ وما هو التصرف السليم الذي يسعنا فقهًا وسياسة عندما يبلغنا ذلك؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن حفظ العرض من مقاصد الشريعة الكلية، وقد اتفقت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على إدانة جرائم الاغتصاب، ورصدت لها أقسى العقوبات الجنائية.
وتفرِّق الشريعة بين ما كان من هذه الجرائم على سبيل المخادعة والإسرار، وما كان منها على سبيل المكابرة والمجاهرة والمغالبة.
فهتك العرض بالقوة على سبيل المكابرة والمجاهرة والمغالبة يُمثِّل جريمة من جرائم الحرابة، وقد جاء النص على عقوبتها في كتاب الله عز وجل، في قوله تعالى في سورة المائدة: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  [المائدة: 33].
ولمجلس هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قرار في هذا الشأن، جاء فيه: ((إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فسادًا المستحِقَّة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية المائدة، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العِرض، أو أحدث إخافةَ السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقِفَار كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى. قال ابن العربي يحكي عن وقت قضائه: «رفع إليَّ قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني اللهُ به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين؛ لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج. فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحشُ منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج»(1))). اهـ.
وهتك العرض بالقوة يمثل جناية في القوانين الوضعية، وقد نصت المادة 267 من قانون العقوبات على أنه: ((من واقَع أنثى بغير رضاها يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدَّد. فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادمًا بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد)).
ولا يوجد قانون في الأرض ولا في السماء يتهاون في ذلك أو يعفي صاحبه من العقوبة.
فالواجب إنكارُ هذا بكل وسائل الإنكار الـمُمكِنة حتى يعلم المعتدون أن الأعراض خطٌّ أحمرُ، وأن جرائم الاغتصاب لا تسقُط بالتقادم لا عند الله ولا عند عباده، وأن من تولى كبرها لن يفلت من العقوبة، وإن طال المدى، وإن كان في بروج مشيدة.
ومن الإنكار على هؤلاء بعد التحرِّي والتثبت توثيقُ بغيهم وعدوانهم، ورفعُ أمرهم إلى أُولي الأمر إن وُجدوا ورُجِيَ إنصافهم، فإن لم يتيسر ذلك فلا أقلَّ من فضح جرائمهم على الملأ، أمام رؤسائهم وإن نكسوا على رءوسهم، وأمام الرأي العام وإن كانوا من منتسبي الشرطة، ففي الداخلية قيادات شريفة، تنكر هذا ولا تقرُّه، فهم شريحة من الأمة، فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك.
ومن الإنكار على هؤلاء بعد التحري والتثبت نشرُ صورهم، وأسمائهم، وعناوين بيوتهم، وأرقام سياراتهم، وكل معلومات تحقيق الشخصية الخاصة بهم؛ ردعًا لهم وتخويفًا لهم ولأمثالهم، ليدركوا أنهم قد تطَالُهم بعضُ آثار بغيهم، وأن ما يتترَّسون به من آلة البغي لن تُغني عنهم من قضاء الله من شيء، فيتملكهم الشعورُ بالفزع من عذاب يأتي من عند الله، أو بأيدي بعضِ المكلومين هنا أو هناك، ممن تربوا على أن جرائم العرض لا يغسلها إلا الدم، فلا يتقلبون في الأرض إلا وهم خائفون، ولا يأكلون ولا يشربون إلا وهم خائفون، ولا ينامون ولا يستيقظون إلا وهم خائفون.
لعلنا بهذا ننصرهم على أنفسهم، وعلى الشياطين الرابضة وراء جلودهم، وإن استحياءهم بالتوبة واستيفاء حقوق الآدميين منهم أصلحُ لهم، وأحبُّ إلى الله وإلى الصالحين من عباده من تتابعهم على البغي، وتهالكهم على المشاقة لله ورسوله، حتى تنزل معهم ذنوبهم إلى قبورهم. ولا أحبُّ إلينا من توبة العصاة والبغاة والمبتدعة، وإنابتهم إلى الحق، وخضوعهم لحكم الله ورسوله. والله تعالى أعلى وأعلم.

——————————-

(1) «أحكام القرآن لابن العربي» (2/94-97).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend