في البداية أودُّ أن أشير إلى أنني يأتني الوسواس من كل كلمة أقولها أو من كل خاطرة تدور بذهني، وأخاف بشدة من الكفريات وما شابه ذلك، واليوم كنت أشاهد على اليوتيوب أحد الرجال الفلسطينيين أثناء اعتقاله من قوات الاحتلال عند المسجد الأقصى، ففرحت بهذا الرجل لثباتِهِ وحَسِبْتُهُ على خير، ولكنني فكرْتُ بعدها وقلت: هل سيثبت هؤلاء الرجال إذا ما قامت حربٌ مع إسرائيل أو إذا ما حدثت أي فتنة؟ ثم للأسف قلت لنفسي: لم يعد هناك شيء مضمونًا. وتذكرت ما فعله رجال حزب النور إزاء ما يحدث في مصر حاليًّا، ثم استرسلت وفكرت في هذا، ولكنني لم أتحدث به، ففكرت في نفسي بأنه حتى بعض الصحابة أصابتهم الفتنة، وجاء في ذهني سيدنا معاوية رضي الله عنه، ولكنني والله لم أفكر في التقليل من دينه، فأنا والله العظيم أحبُّ جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن فيهم سيدنا معاوية رضي الله عنه، وأتقرب إلى الله بهذا الحب، ولكن جاءتني هذه الخاطرة دون أن أشعر.
ثم أصابني الوسواس بأنني ربما نطقت اسم سيدنا معاوية أو أيًّا من هذه الكلمات أثناء هذا التفكير، فهل إذا كنت ذكرت اسم سيدنا معاوية أو أيًّا من هذه الكلمات أثناء هذا التفكير- يعتبر ذلك من الكفريات أو يخرج من الملة؟
مع العلم أنني كما ذكرت أحب جميع صحابة رسول الله ومنهم سيدنا معاوية رضي الله عنهم جميعًا، وأعرف فضلهم جميعًا، وأنهم أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين، كما أنني بعدما جاءتني هذه الخاطرة خشيت كثيرًا أن أكون فكرت تفكيرًا محرمًا، ولكن والله يحدث لي هذا التفكير دون أن أشعر، ولكنني عندما تنبهت توقفْتُ تمامًا عن هذا التفكير، وبادرت باستغفار الله، ولكن ما يقلقني الآن أن أكون تحدثْتُ أو تكلمت بأي من هذه الكلمات أثناء تفكيري هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنَّ مثل هذه الوساوس ما دمت تكرهها وتقاومها وتدافعها، ولا تؤثر على إيمانك بالله ورسوله، فلا يترتب عليها شيء.
بل إن كراهيتك لها، ومدافعتك لها آية على صريح الإيمان الكامن في أعماقك، وإليك الحجة على هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: «أَوَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قالوا: نعم. قال: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»(1).
والمقصود من الحديث أن كراهية هذه الوساوس وبغضها والنفور منها هو صريح الإيمان، وليس المراد أن وجودها هو صريح الإيمان.
قال النووي: «معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلًا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالًا محققًا»(2).
فلا تُقِمْ لهذه الوساوس وزنًا، ولا تُلْقِ لها بالًا، بل بادر إلى طردها، والاستعاذة بالله منها، ومقاومتها، ليثبت لك صريح الإيمان، الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان ذكر معاوية رضي الله عنه وأرضاه جاء على لسانك عرضًا بغير قصد ولا نية فلا حرج في ذلك، ما دمت قد عقدت قلبك على محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا والترضِّي عنهم جميعًا، والإمساك عما شجر بينهم، وتفويض أمره إلى الله عز وجل. والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————-
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها» حديث (132).
(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (2/ 154).