مقتل حسن شحاتة ومن معه، وما يحمله من دلالات خطيرة على الفوضى والإرهاب وضياع ضمانات العدالة، والجرأة على الدماء؟ أين تصنفون هذا العمل في منظومة الأعمال المتردِّية في هذا الواقع البائس المنهوك؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فنحن ندينُ ابتداءً هذا العمل باعتباره افتياتًا على السلطان، فإن إقامة العقوبات الشرعية سواء أكانت قصاصًا أم حدودًا أم تعزيرًا إنما تُناط بالسلطان المسلم، ولا يجوز الافتياتُ عليه في ذلك، فليس لأحد أن يُنصِّبَ نفسه سلطانًا بدلًا من السلطان، ولا أن يجمع في يديه بين سلطة الإدانة والقضاء والتنفيذ، ومن غامر فعليه تبعة مغامرته، ويُعرض أمره على القضاء لعقوبته عقوبةً رادعة تزجره عن ارتكاب مثل هذا الافتيات.
ولكن دعنا نتعرف على حسن شحاتة وجرائمه، لنأخذ العبرة من مثل هذا الموقف، ليس دفاعًا عن قتله على هذا النحو، وليس شماتة في قتله، فلقد كان استحياؤه بالتوبة أحبَّ إلينا من موته على الضلالة والفتنة, لكنه الإرشاد إلى موضع الدلالة والعبرة في هذا الحادث.
حسن شحاتة كان أحدَ رجال الأزهر، وهو من السُّنَّة، شأنه شأن المصريين والأزهريين عامة ، ثم انقلب على عقبيه، وتشيَّع في أواسط التسعينيات، ثم دخل التشيع من أخس أبوابه وأشدها غلوًّا وشططًا، وقد درج على التطاوُل على سادات أولياء الله بعد النبيين والمرسلين، صحابة رسول الله ﷺ، وعلى أبي بكر وعمر، وعلى العشرة المبشرين بالجنة بصفة خاصة، ثم على الطاهرة المطهرة الصِّدِّيقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة، حبة رسول الله وزوجه في الجنة، ووسائط التقنية المعاصرة لم تُبق مجالًا لتستُّرٍ على جريمة، أو تقوُّلٍ على بريء، فلقد حملت قنوات اليويتيوب هذه الافتراءات والبذاءات صوتًا وصورة على نحو صفيق خسيس، يستثير الحليم، ويُغري العداوة والبغضاء بينهم وبين جماعة المسلمين.
لقد تكرَّر لعنه لأم المؤمنين عائشة ل وأرضاها على الملأ، وكان مما قال وكرره: لعنة الله عليك يا عائشة بعدد أنفاس الخلائق. ويزعم أن سبب تسميتها «الحميراء» لأن ذلك تصغير لكلمة حمار، وسبَّ أباها بألفاظ سوقية، لا يجترئ على مثلها إلا السوقة في أخس البيئات وأحطها، واعتبرها سبب نكبة المسلمين؛ لأنها بزعمه هي التي سمحت بدفن أبي بكر وعمر في بيت رسول الله صلى الله عله سلم، ومنعت الحسنَ من ذلك، ورمت جنازته بالسهام.
بل باهل في ذلك على الملأ وقال في مُباهلته: أخرج من حول الله وقوته إلى حولي وقوتي، أن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله فاسقة مجرمة، عصت الله رسوله، وآذت آل البيت، وقتلت المسلمين ظلمًا، فعليها لعنة الله في الدنيا والآخرة، وعليَّ لعنة الله إن كنت كاذبًا.
وقد سئل: هل كنتم تحبون أبا بكر وعمر؟ ومتى خرج حبهم من قلبك؟ فقال:
المكنسة المحمدية شالت الزبالة كلها، وذكر أنه لم يكن هناك حب بمعنى الحب، ولكن كان هناك شوية إعجاب، بسبب الأخبار المكذوبة التي رواها الضالون- يقصد أهل السنة من سائر الأمة- عن مناقب أبي بكر وحبه للنبي ﷺ، وتعلقه به، ثم ذكر أنه رأى رسول الله في المنام وبجواره أبو بكر وعمر كأنهما كلبان، لا يلتفت إليهما، ثم جاء عليُّ بن أبي طالب، فأقبل عليه رسول الله ﷺ وكلَّمه بلغة لا يعرفها أحدٌ، ثم كلفه بمهمة، ثم يزعم أن النبي ﷺ أشار إليه أن يتبع الإمام عليًّا، فجرى وراءه. وتلك كما قال هي المكنسة المحمدية التي أخرجت الزبالة- يقصد حب أبي بكر وعمر- من قلبه.
وسُئل ما رأي مولانا الشيخ في العشرة المبشرين بالجنة؟ فأجاب: العشرة المبشرين بالجنة؟! الله يخرب بيوتهم, أنا كرهت رقم عشرة بسببهم, الله يلعنهم هم وعشرتهم, هي الجنة زريبة، عمر في الجنة؟! يخرب بيته، عثمان في الجنة؟! يخرب بيتك يا عثمان وبيت اللي جابك، الله يلعنهم وعشرتهم… وهكذا في استعراضه لسائر العشرة.
هذه هو حسن شحاتة، وذلك طرَفٌ من جرائمه في حق أفضل من مشى على وجه الأرض بعد النبيين والمرسلين، لكم كنا نودُّ لو وُفق إلى توبةٍ قبل الممات، ولكن السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه.
ولو أنه استسر بمعتقده ما كان لأحدٍ عليه من سبيل، ولكنه أبى إلا أن يُنابذ الصحابة العداء، وأن يستعلن بشتمهم وتنقُّصِهم، وأن يؤذي رسول الله في أهل بيته وهو يدعي حبه، ثم أن يستمطر على نفسه لعنة الله إن كان في ذلك كاذبًا، فأدركته لعنة الله التي استجلبها لنفسه بسفهه وحماقته، {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص: 81]. وطويت صحيفته لترفع إلى خالقه، وهو الآن مرتهن في قبره بعمله، تحت الجنادل والتراب.
والعبرة المستفادة أن لا يغترَّن أحدٌ بعِلمه ولا بعَمله، فقد يعملُ الرجل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار(1)، وإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن: إن شاء أقامها، وإن شاء أزاغها(2).
اللهم ارزقنا حُسنَ الخاتمة، واجعلنا ممن سبقت لهم منك الحسنى، ولا تجعلنا من الذين حقَّت عليهم كلمة العذاب، وغلبت عليهم شقوتهم، اللهم آمين. والله تعالى أعلى وأعلم.

_______________________

(1) فقد أخرج الترمذي في كتاب «القدر» باب «ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن» حديث (2140)، وابن ماجه في كتاب «الدعاء» باب «دعاء رسول الله ﷺ» حديث (3834) من حديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ يُكثر أن يقول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ». فقلت: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟! قال: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، وقال الترمذي: «حديث حسن».