هل من كلمة توجهونها إلى التجمعات الدعوية المتناحرة التي أوشكت أن تكون بتناحرها فتنةً تصدُّ الناس عن التدين والمتدينين؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن أمانةَ الدعوة إلى تحكيم الشريعة وتجديد شباب الدعوة إلى الله عز وجل، والسعي إلى إقامة الدين وسياسة الدنيا به قد أُنيطت بكم، أو هكذا تزعمون. وإنها والله لأمانة تنوءُ بمثلها السماوات والأرض والجبال، ويأبَيْنَ أن يحملنها ويُشفقن منها، وقد أبيتم أنتم إلا أن تحملوها على عواتقكم، وتقدموا أنفسكم إلى الأمة على أنكم رُوَّادها والقائمون بها، وأنكم أحق بها وأهلها.
ولقد مضى على انتصابكم لأداء هذه الأمانة بضعةُ عقود، وها أنتم الآن بعد قرابة قرن من السعي المتواصل وأرتال الشهداء المتتابعة، لا تزالون في خنادقكم تتهارجون وتتدافعون، لم تقيموا دولةً، ولم تحققوا أغلبيةً، ولم تنتصفوا من عدوٍّ، ولا تزال بيضتُكم مستباحةً، ودعوتُكم مُجَرَّمَةً، والتابعون لكم قليلًا مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناسُ، أقصى ما يفكر فيه كثيرٌ منكم كيف يعقد مناظرة مع أخيه ليبطل دعوتَه ويفرق الناس من حوله، أو أن يُثير حوله غبار التخوين والتبديع والتفسيق.
إن التفريط في الحضِّ على الجماعة والائتلاف، والنهي عن الفرقة والاختلاف، والتهاون في إشاعة هذه المفاهيم بين أتباعكم ومريديكم خطيئةٌ كبرى وجريمة منكرة، فإن كان مردُّ ذلك إلى التعمد حرصًا على زعامات ومواقع، فهو خيانة عظمى لأمانة الإسلام، ولأمانة هذه الألوف المؤلفة من المسلمين ممن وثقوا بقيادتكم، وسلموا باجتهاداتكم، ونذروا أنفسهم للعمل للإسلامي من خلالكم، حتى أصبحتم عقولهم التي بها يفكرون، وعيونهم التي بها يبصرون.
وإنكم الآن في مفترق طرق:
• إما التكاملُ والتراحم وإصلاحُ ذات البين؛ فيرشد المسار، ويستدير الزمان، وتعاد لكم الكَرَّة على عدوكم.
• وإما التهارج والتنازع وفساد ذات البين؛ فتفقدون شرعيةَ قيادتكم، وشرعيةَ اجتماعكم، وشرعيةَ أعمالكم التي تُصبح يومئذ ضرارًا وتفريقًا بين المؤمنين.
لا بديل من هذا التكامل والتراحم إلا التهارُج المدمر، والفشل المحقق، والفناء المحتوم. لا بديل من هذا التكامل والتراحم سوى الحالقة، التي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين(1)، لا بديل من هذا التكامل والتراحم إلا استطالة دعاة الضلالة على المؤمنين والمؤمنات.
لا بديل من التكامل والتراحم إلا فتنة الناس عن الدين، والزهادة في كل دعوة تناديهم باسمه، والإعراض عن كل داعية يرفع لواءً ويجاهد في سبيله.
فهل من سامع أو من مجيب؟!
_________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (6/ 444) حديث (27548)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في إصلاح ذات البين» حديث (4919)، والترمذي في كتاب «صفة القيامة والرقائق والورع» باب «ما جاء في صفة أواني الحوض» حديث (2509) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ». قالوا: بلى. قال: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْـحَالِقَةُ». وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هِيَ الْحَالِقَةُ؛ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ».