بارك الله في فضيلتكم هل هذا الحديث صحيح.
يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون مِن خير قول البرية، يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهلَ الأوثان، كثُّو اللحية (غزيرو اللحية)، مقصرين الثياب، مُحلِّقين الرءوس، يُحسنون القيل ويسيئون الفعل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء.
وقال رسول الله ﷺ في الذين يحملون هذه الصفات: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يَتَجَاوَزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِـمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «فَإِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».
ما معنى «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية»؟
وما المقصود بـ«يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»؟
ويا تُرَى هل أتى هذا الزمان؟
وأعتذر؛ لأني أريد التوضيح، فأنا لست من الفقهاء في الدين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن نصَّ الحديث الذي رواه البخاري في «صحيحه» عن عليٍّ أنه قال: إذا حدَّثتُكم عن رسول الله ﷺ فَلَأَنْ أَخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ مِن أن أكذب عليه، وإذا حدَّثتُكم فيما بيني وبينكم فإن الحربَ خدعةٌ، سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِـمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1).
وقد رواه البخاري في «صحيحه» في ثلاثة أبواب: «باب: علامات النبوة في الإسلام»، و«باب: إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكَّل به أو فخر به»، و«باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، وقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: 115]، وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين».
وهذا الحديث يُعَد من دلائل النبوة؛ فقد أخبر فيه المعصوم ﷺ عن ظهور هذه الفرقة، وهي فرقة الخوارج، وقد كان ظهورها على النحو الذي وصفه رسول الله ﷺ؛ فقد كانوا صغار الأسنان سفهاء العقول، وقد خرجوا ببدعهم من الدين الحق، ومن الصراط المستقيم، كما يخرج السهم من قوسه، أو من الصيد الذي أُطلق عليه، فلا يعلق لشدة رميه منه شيء من أثر الصيد، فكانوا من أشد الناس بغيًا على الأمة، وتكفيرًا لها، واستباحةً لدمائها، وكان من فتنتهم أنهم يُكفِّرون أصحاب المعاصي، وكانوا ينطلقون كما قال ابن عمر إلى آياتٍ نزلت في الكافرين فيجعلونها في عصاة الموحدين، فيكفرونهم بها، ويشتغلون بقتالهم عن قتال من يستحقون القتال حقيقة من المحاربين من أعداء الدين، وقد بين أنَّ لمن قاتلهم أجرًا يوم القيامة.
ولكن محاولة إنزال هذا الحديث على فصائل العمل الإسلامي المعاصر قراءة رديئة جائرة لهذا الحديث، وتأويل له يكتنفه البغي من جميع الوجوه، فهذا الحديث إنما يصدق على أصحاب الغلو في التكفير، الذين يكفرون عموم المسلمين بالمعاصي حكامًا ومحكومين، وهم قلة مارقة لَفِظَتها فصائل العمل الإسلامي، وأعلنت براءتها منهم منذ زمن بعيد، وإن كانت تحفظ لهم حقوق الإسلام العامة، لاسيما في أوقات المحن، فليس من العدل تلوين العمل الإسلامي كله بلون هذه الفرقة الضالة المنحرفة. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «علامات النبوة في الإسلام» حديث (3611).