إن الإسلام يجيز الرِّقَّ وسبيَ النساء في الغزوات، وكأنه تشريع للظُّلمِ، يجيز أخذَ المرأة المتزوجة أو الفتاة في الحرب على أنها سبيَّة، وكيف ستشعر هذه المرأة التي قُتل أبوها وأخوها وزوجها في الحرب على أيدي المسلمين وهي ترى نفسها في آخر النهار على نفس الفراش مع قاتلهم؟!
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأمَّا عن كون الإسلام يُجيز الرِّقَّ فهذا لم يختصَّ به الإسلام وحده، بل شرعته كل من اليهودية والنصرانية، ولم تضع حلًّا لمشكلة الرقيق.
فالمسيحية أقرَّته وجعلته نظامًا إلهيًّا، وأوصت الأرقاء بالصبر عليه والرضا به؛ ففي وصية (بولس) للرُّوحانيين: لتخضع كلُّ نفس للسلاطين العالية؛ فإنه لا سلطان إلا من الله، وهؤلاء السلاطين قد رتَّبهم الله، فمَن يُقاوِم السلطان يُعانِد ترتيب الله.
أما الإسرائيليون فقد عرفوا نوعين من الاسترقاق:
أحدهما: استرقاق بعض اليهود عِقابًا لهم على ارتكاب خطيئة من الخطايا المحرَّمة شرعًا، أو وفاء لدَينٍ عليهم.
والآخر: استرقاق غير اليهود من الشعوب التي كان اليهود يُحاربونها، فقد كانوا يَسترِقُّون جميعَ النساء والأطفال من البلد الذي يغلِبونه، أما الرجال فقد كانوا يضربون رِقابهم بحد السيف، ويُفنوهم جميعًا، وفي الوقت الذي يُنكِر فيه اليهودُ على الإسلام أنه أباح الرقَّ، نجد توراتَهم قد طفحت به في كثير من أسفارهم وإصحاحاتهم، وقد ذكرته على لسان نوح عليه السلام وغيره.
وتفوقت الشريعة الإسلامية بأن ضيَّقت منابعَ الاسترقاق إلى أبعدِ مدًى ممكنٍ، وفتحت أبواب العتقَ إلى أبعدِ مدًى ممكنٍ، وأقرت للرقيق حقوقًا تُعَدُّ إعجازًا تشريعيًّا كبيرًا، إذا ذكرت الحق والعدل في أي محفل، حتى منع النبي صلى الله عليه وسلم في مخاطبة الرقيق الصيغةَ الجارحة للمشاعر، والـمُشعرة بالتكبر والاستعلاء، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي. كُلُّكُمْ عَبِيدُ الله، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ الله. وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي»(1).
وأكدنا مرارًا أن الاسترقاقَ خيارٌ من الخيارات، يُنظر إليه في ضوء مآلاته صلاحًا أو فسادًا عندما تدعو الحاجة إليه، فهو ليس مطلبًا شرعيًّا: لا هو واجب من الواجبات، ولا مندوب من المندوبات، فإن تشوُّفَ الشارع إلى العتق وليس إلى الرق.
ونحن مع تركه سياسةً، ما دام العالم قد اصطلح على تركِه، لاسيما وأن الأمة هي الأضعفُ في المعترك الدولي في الوقت الراهن، فإنها إذا دخلت حربًا سيتفوق عليها خصومها، لاسيما في ظلِّ قياداتها العلمانية الآبقة على الله ورسوله، فيكون في ذلك تعريضٌ لنساء المسلمين للاسترقاق، ولك أن تتخيل لو كان نظام الاسترقاق قائمًا عند دخول القوات الأمريكية العراق لوجدت نساء المسلمين وقد نُقلن سبايا إلى العواصم الأوربية والأمريكية، واستولدهن جنودُ توني بلير وبوش وكلينتون وباراك. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «الألفاظ من الأدب وغيرها» باب «حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى» حديث (2249) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.