حقيقة السياسة الشرعية ومجالاتها

ما حقيقة السياسة الشرعية؟ وما مجالاتها؟ بارك الله فيكم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن السياسة هي القيام على الأمر بما يصلحه، ويقصد بها في باب الأحكام السلطانية القيام على شأن الرعية من قِبَل وُلاتهم بما يُصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب، أو تدبير الشئون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضارِّ مما لا يتعدى حدود الشريعة وأصولها الكلية، وتكون بمتابعة السلف الأول في مراعاة المصالح ومسايرة الحوادث.
ولم يرد لفظ «السياسة» في كتاب الله عز وجل ، وإن جاء الحديث فيه عن الصلاح والإصلاح والأمر بتحكيم الشريعة والتحذير من مخالفتها وغير ذلك من المعاني التي اشتمل عليها لفظ «السياسة»، ولكن ورد في السنة المطهرة قولُه ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ…»(1)، وقوله ﷺ: «تسوسهم الأنبياء» أي: تتولَّى أمورهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية.

وفي الحديث قول النبي ﷺ: «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدِهِمْ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ؛ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُونَ»(2).
وترجم له البخاري في «صحيحه» بقوله: باب مَن تَرَكَ بعضَ الاختيار مخافةَ أن يَقصُرَ فهمُ بعض الناس عنه فيقعوا في أشدَّ منه(3).
قال ابن حجر: «ويُستفاد منه أن الإمامَ يسوس رعيَّته بما فيه إصلاحهم، ولو كان مفضولًا، ما لم يكن محرمًا»(4).
والسياسة الشرعية في مجال الدولة تقوم على دعامتين كبيرتين وهما: أئمة عادلون، ورعية مطيعون.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا *  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 58- 59].

وللفقهاء في تعريف السياسة الشرعية اتجاهان:
الأول: أن السياسة ما كان من الأفعال؛ بحيث يكون الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يدلَّ عليه بعينه دليلٌ خاص، فلم يشرعه الرسول ﷺ ولا نزل به وحي، ولكنه لا يخالف ما نطق به الوحي.
ومن الأمثلة على ذلك في عصر الراشدين:
ما قام به أبو بكر رضي الله عنه من استخلافه لعمر رضي الله عنه(5).
وما قام به عمر من جَعْل أمر الخلافة شورى في ستةٍ من أفاضل أصحاب النبي ﷺ رعايةً لمصلحة الأمة وتجنيبها مضرة الاختلاف(6).

وما قام به عثمان رضي الله عنه  من جَمْع المسلمين على مصحف واحد، وإحراق ما سواه من المصاحف(7)؛ لأن ذلك يُحقِّق مصلحة الائتلاف والاتفاق، ويدفع مضرَّة التفرُّق والاختلاف.
وكذلك ما أمر به من إمساك ضوالِّ الإبل لمَّا ضعفت الأمانة(8)، وصار تركها مضيعًا لها على أصحابها.
ومن ذلك نفيُ عمر بن الخطاب لنصر بن حجَّاج لما افتُتنت بعض النساء بجماله من غير ذنب أتاه(9)؛ لما كان في ذلك تحقيق مصلحة العفة والطهارة، ودفع مضرة تعلُّق القلوب به.

ومن الأمثلة على ذلك بعد زمان الراشدين:
تسعير السلع التي يُضطر إليها الناس إذا تمالأ التُّجَّار على رفع سعرها بغير مُسوِّغ يدعو لذلك، فكان في التسعير دفع مضرة الظلم عن الرعية من غير ظلم للتجار.
والأمثلة في هذا كثيرة، والجامع بينها تحقيق المصلحة ودفع المضرة من غير مخالفة للشريعة.
الاتجاه الثاني: يضيق مجال السياسة ويحصرها في باب الجنايات أو العقوبات المغلظة، وهذا الاتجاه هو الغالب على الفقه الحنفي في نظرته للسياسة(10).

قال علاء الدين الطرابلسي الحنفي: «السياسة شرع مغلظ»(11).
وعرَّفها بعض الأحناف بأنها: «تغليط جنايةٍ لها حكم شرعي حَسْمًا لمادة الفساد»(12).
وقوله: «لها حكم شرعي». معناه أنها داخلةٌ تحت قواعد الشرع وإن لم يُنَصَّ عليها بخصوصه.
ولذا قال في «البحر»: «ظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحةٍ يراها، وإن لم يَرِد بذلك الفعل دليلٌ جزئي»(13).

وهذا الاتجاه موضع نظر، فلا وجه لحصر السياسة الشرعية في باب الجنايات؛ فإنها تدخل في كل الأبواب، ولا وجه لحصرها في الجنايات في باب التغليظ، فقد تكون بالتخفيف، كامتناعه ﷺ عن قتل المنافقين حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه(14)، وكالامتناع عن قطع الأيدي في الغزو وإقامة الحدود في أرض العدو حتى لا تُدرك المحدودَ حميَّةُ الشيطان فيلحق بمعسكر الكفار(15).
مجالات السياسة الشرعية:
تدخل السياسة الشرعية فيما جاءت فيه نصوصٌ، وفيما لم تأتِ فيه بعينه نصوص.
والسياسة الشرعية في النوع الأول تكون عن طريق: فهم النصوص الشرعية فهمًا جيدًا، ومعرفة شرائط تطبيق أحكامها وموانع تنفيذها.

ثم بالتمييز بين النصوص التي تمثل تشريعًا عامًّا يمتد على مدى الزمان كله، وعلى مدى المكان كله، وبين النصوص التي جاءت الأحكام فيها مُعلَّلة بعلة، أو مُقيَّدة بصفة، أو التي راعت عُرفًا موجودًا زمن التشريع، أو نحو ذلك.
والأول يُسميه ابن القيم «الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة»، بينما يسمي الثاني «السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانًا ومكانًا».
ومن مسائل هذه السياسات «النوع الثاني»:
منع عمر بن الخطاب رضي الله عنه  سهم المؤلفة قلوبهم عن قومٍ كان يُعطيهم إياه(16)؛ وذلك لزوال تلك الصفة عنهم، فإنما كانوا يُعطَون لاتصافهم بهذه الصفة لا لأعيانهم، فلما زالت الصفة مَنَع السهم عنهم، وليس في هذا تغيير للحكم وإنما هو إعمال له، وهو من باب السياسة الشرعية.
وكذلك أمر عثمان رضي الله عنه  بإمساك ضوالِّ الإبل مع أن المنع من إمساكها مستفادٌ من سؤال أحد الصحابة لرسول الله ﷺ عن إمساك الإبل فقال: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْـمَاءَ وَتَأْكُلُ مِنَ الشَّجَرِ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا»(17).

ومع النظرة الثاقبة في الحديث يتبين دقة فهم عثمان رضي الله عنه ، فإن الرسول ﷺ قد ظهر من كلامه أنه يُفتي عن حالةٍ آمنة تأكل فيها الإبل من الشجر وتشرب من الماء، من غير أن يلحقها ضررٌ حتى يجدها صاحبها، فأما إذا تغيَّر حالُ الناس ووُجد منهم من يأخذ الضالَّة، صار هذا الحال غير متحقق، فإنها إذا تُركت في هذه الحالة لن يجدها صاحبها، ومن هنا أمر بإمساكها.
وكذلك نقول: لو أن حالة الناس من حيث الأمانة لم تتغير، وإنما كان الناس يعيشون بجوار أرض مسبَعة، وكان في تَرْكها هلاكٌ لها حتى يأكلها السَّبُع؛ لكان الأمر بإمساكها هو المتعين حفظًا لأموال المسلمين، وهذا من السياسة الشرعية، والأمثلة في ذلك كثيرة.
والنوع الثاني من المسائل، وهو ما لم تأت فيه نصوص بخصوصه، فإن الفقه فيه يكون عن طريق الاجتهاد الذي تكون غايته تحقيق المصالح ودرء المفاسد، والاجتهاد هنا ليس لمجرد تحصيل ما يتوهم أنه مصلحة أو درء ما يُتوهم أنه مفسدة، بل هو اجتهاد منضبط بضوابط الاجتهاد الصحيح، وذلك من خلال:
1ـ أن يجري ذلك الاجتهاد في تحقيق المصالح ودرء المفاسد في ضوء مقاصد الشريعة تحقيقًا لها وإبقاء عليها، والاجتهاد الذي يعود على المقاصد الشرعية أو بعضها بالإبطال هو اجتهاد فاسد مردود، وإن ظهر أنه يحقق مصلحة، أو يدرأ مفسدة.
2ـ عدم مخالفته لدليل من أدلة الشرع التفصيلية؛ إذ لا مصلحة حقيقية- وإن ظهرت ببادي الرأي- في مخالفة الأدلة الشرعية.
والنوعان الأول والثاني من المسائل قد يحتاج كل منهما- وخاصة في هذا العصر- لضمان حسن تطبيقه وتنفيذه إلى إنشاء هيئات أو مؤسسات تكون مسئولة عن التطبيق والتنفيذ، وإنشاء هذه الهيئات أو المؤسسات في ظل موافقة مقاصد الشريعة وعدم مخالفتها لنصوصها التفصيلية هو من السياسة الشرعية.
والاجتهاد في مسائل السياسة الشرعية قد يُؤدِّي إلى استنباط أحكام اجتهادية جديدة تبعًا لتغيير الأزمان مراعاة لمصالح الناس والعباد، أو نفي أحكام اجتهادية سابقة إذا ما أصبحت غير مُحصِّلة لمصلحة أو مؤدية لضرر أو فساد، أو غير مسايرة لتطور الأزمان والأحوال والأعراف، أو كانت الأحكام الاجتهادية الجديدة أكثر تحقيقًا للمصالح ودفعًا للمفاسد. والله تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «ما ذكر عن بني إسرائيل» حديث (3455)، ومسلم في كتاب «الإمارة» باب «الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء» حديث (1842)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(2) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «العلم» باب «من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم» حديث (126)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «نقض الكعبة وبنائها» حديث (1333)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3) البخاري في كتاب «العلم».

(4) «فتح الباري» (1/225).

(5) فقد أخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (5/449) حديث (9764) عن أسماء بنت عميس ل قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر: وهو شاك فقال: استخلفت عمر وقد كان عتًّا علينا ولا سلطان له، فلو قد ملكنا لكان أعتى علينا وأعتى، فكيف تقول لله إذا لقيته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني. فأجلسوه. فقال: هل تفرقني إلا بالله، فإني أقول إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلِك. قال معمر: فقلت للزهري: ماقوله «خير أهلك»؟ قال: خير أهل مكة.

وأخرج البيهقي في «الاعتقاد» ص359، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  قال: أفرس الناس ثلاثة: الـمَلِكُ حين تفرس في يوسف والقوم فيه زاهدون، وابنة شعيب في موسى فقالت لأبيها: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[القصص: 26]، وأبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه.

(6) ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب «الجنائز» باب «ما جاء في قبر النبي ﷺ» حديث (1392) عن عمرو بن ميمون الأودي قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه  قال: إني لا أعلم أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين تُوفي رسول الله ﷺ وهو عنهم راض فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا؛ فسمى عثمان وعليًّا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص.

(7) أخرجه البخاري في كتاب «فضائل القرآن» باب «جمع القرآن» حديث (4988) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشأم في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق؛ فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا؛ حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرق.

(8) فقد أخرج مالك في «موطئه» (2/759) حديث (1448) عن ابن شهاب: كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلًا مُؤبَّلة تَنَاتَجُ لا يمسها أحد حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها.

(9) «الطبقات الكبرى» لابن سعد (3/285)، و«حلية الأولياء» (4/322)، و«الإصابة في تمييز الصحابة» (6/485) ترجمة (8845).

(10) جاء في «حاشية ابن عابدين» من كتب الحنفية (4/15): «وفي حاشية مسكين عن الحموي: السياسة: شرع مغلظ، وهي نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها. وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيرًا من المظالم وتردع أهل الفساد، وتوصل إلى المقاصد الشرعية. فالشريعة توجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع، فمن أراد تفصيلها فعليه بمراجعة كتاب معين الحكام للقاضي علاء الدين الأسود الطرابلسي الحنفي». اهـ.

قلتُ: والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان؛ ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير كما وقع في «الهداية» و«الزيلعي» وغيرهما، بل اقتصر في «الجوهرة» على تسميته تعزيرًا وسيأتي أن التعزير: تأديب دون الحد، من العزر بمعنى الرد والردع، وأنه يكون بالضرب وغيره، ولا يلزم أن يكون بمقابلة معصية؛ ولذا يضرب ابن عشر سنين على الصلاة، وكذلك السياسة كما مر في نفي عمر لنصر بن الحجاج، فإنه ورد أنه قال لعمر: ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا ذنب لك وإنما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك، فقد نفاه لافتتان النساء به وإن لم يكن بصنعه، فهو فعل لمصلحة وهي قطع الافتتان بسببه في دار الهجرة التي هي من أشرف البقاع، ففيه رد وردع عن منكر واجب الإزالة، وقالوا: إن التعزير موكول إلى رأي الإمام، فقد ظهر لك بهذا أن باب التعزير هو المتكفل لأحكام السياسة وسيأتي بيانه، وبه علم أن فعل السياسة يكون من القاضي أيضًا، والتعبير بالإمام ليس للاحتراز عن القاضي بل لكونه هو الأصل، والقاضي: نائب عنه في تنفيذ الأحكام كما مر في قوله: فيسألهم الإمام، وبدأ الإمام برجمه ونحو ذلك. وفي «الدر المنتقى» عن «معين الحكام»: للقضاة تعاطي كثير من هذه الأمور حتى إدامة الحبس والإغلاظ على أهل الشر بالقمع لهم، والتحليف بالطلاق وغيره، وتحليف الشهود إذا ارتاب منهم. ذكره في «التتارخانية»، وتحليف المتهم لاعتبار حاله أو المتهم بسرقة يضر به ويحبسه الوالي والقاضي. اهـ. وسيأتي في باب التعزير أن للقاضي تعزير المتهم، وصرح الزيلعي قبيل الجهاد أن من السياسة عقوبته إذا غلب على ظنه أنه سارق وأن المسروق عنده، فقد أجازوا قتل النفس بغلبة الظن، كما إذا دخل عليه رجل شاهرًا سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله وسيأتي تمام ذلك في كتاب السرقة».

(11) انظر «حاشية ابن عابدين» (4/15).

(12) العزو السابق.

(13) «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» لابن نجيم (5/11).

(14) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «ما ينهى من دعوة الجاهلية» حديث (3518)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا» حديث (2584)، من حديث جابر بن عبد الله ب.
(15) فقد أخرج البيهقي في «الكبرى» (9/105) حديث (18004) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه  قال: «لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو».

(16) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (7/20) حديث (12968) عن ابن سيرين عن عبيدة قال: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه  فقالا: يا خليفة رسول الله ﷺ إن عندنا أرضًا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نزرعها ونحرثها فذكر الحديث في الإقطاع وإشهاد عمر رضي الله عنه  عليه ومحوه إياه. قال: فقال عمر رضي الله عنه : إن رسول الله ﷺ كان يتألفكما والإسلام يومئذ ذليل وإن الله قد أعز الإسلام فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن رعيتما.
(17) أخرجه مسلم في كتاب «اللقطة» حديث (1722).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend