شيخنا وأستاذنا الشيخ صلاح الصاوي نفع الله بعلمك ونفع بك. لدي سؤال عن فقه السِلم في الإسلام في ظل واقعنا المعاصر، خاصةً وأننا كثيرًا ما سمعنا عن فقه الثورة وفقه الحرب في هذه الأيام. وما رأي فضيلتكم في إقامة أو مدى جدوى مشاريع السلام في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمة، وبمن يرى أن نيرانها مشتعلة في كل مكان فتحتاج إلى رجل الإطفاء الذي يسعى إلى إخماد الحريق ومن ثمَّ يبحث عن المتسبِّب فيه. وجزاكم الله خيرًا وكثر من أمثالكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن السلام مقصدٌ إسلامي ومطلب شرعي، ومهما أمكن استصلاحُ الأحوال بالسِّلم المبني على الحق والعدل- فلا ينبغي أن يصار إلى نقيضه.
ولكن لا أدري على أي صعيد تتحدث عن السلم، هل تتحدث عنه على صعيد العلاقات الدولية؟ لقد طُرحت مبادرات سِلم متعددة على صعيد القضية الفلسطينية على سبيل المثال، وتضمن بعضها من المهانة ما تضمن، ومع هذا فلن تُغن عنَّا شيئًا، ولا يزال العدو الجاثم على صدر الأمة عامةً وصدر أهل فلسطين خاصةً في ذروة جبروته وتسلطه وغشمه، ولم لا يفعل بنا هذا وهو يرى بعضَ قادتنا وزعمائنا يفعلون بشعوبهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع ما يتضاءل أمامَه ما يفعله هو بمن استباح بيضتهم من الفلسطينييين؟! حتى فاق ما قتله بعضُهم من شعبه ما قتلته إسرائيل من الفلسطينيين منذ تأسيسها قرابة مائة مرة.
وإن كنت تتحدث على صعيد العلاقات الداخلية فمبلغُ علمي أنه قد طُرحت مبادرات سلم كثيرة، ولكنها ذهبت جميعًا أدراج الرياح، ولا يزال السيفُ وحدَه هو الحَكَم، ومن تمكَّنَ لا يرضى إلا بمنطق الاستئصال والإبادة، ومع قتامة الواقع وظلمته فلا ينبغي أن تتوقف الجهود الرامية إلى تضميد الجراحات واستصلاح الأحوال داخليًّا وخارجيًّا ما أمكن، وأن يشتغل العاملون لنصرة الدين بالدعوة والتربية، وبمحاسبة أنفسهم على تفريطهم في جنب الله، فإنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوهم.
وأختم بهذه الآية وأدعو نفسي وإياهم إلى تدبرها مليًّا: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109] والله من وراء القصد. والله تعالى أعلى وأعلم.