ما هو موقف الشرع من أحداث تونس؟ أعني ثورة الناس على زين العابدين وحرق ذلك الشاب نفسه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن إحراق النفس من الكبائر؛ لأن الإنسان ملك لخالقه وليس ملكًا لنفسه؛ لذلك لا يجوز أن يتصرف في نفسه إلا في حدود ما أذن له الخالق، وقد وردت في تحريم الانتحار نصوص تقشعرُّ لهولها الجلود! نذكر منها:
حديث جُنْدب بن عبد الله رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بها يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ, حَرَّمْتُ عليه الْـجَنَّةَ»(1).
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدَيْهِ يَجَأُ بِهَا(1) فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»(2).
وما رواه ثابت بن الضحاك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهَا في نَارِ جَهَنَّمَ»(3).
قال النووي: «في هذه الأحاديث بيانُ غلظ تحريم قتل نفسه»(4).
فلا يجوز الاعتذار عن الانتحار ولا تسويغه مهما كانت البواعث، فإن ما عند الله لا يُنال بمعصيته.
وأما مَن أقدم على هذه الفعلة في تونس فأمره مُفوَّض لربه جلا وعلا؛ لأن أصحاب الكبائر دون الشرك في خطر المشيئة، ونسأل الله جل وعلا أن يكون قد وُفِّق إلى توبة قبل الممات، ونسأل الله أن يتقبلها منه بمنِّه ورحمته.
أما ما جرى في تونس من أحداث فإن مردَّ القول فيها إلى أهل الحل والعقد من علماء تونس أنفسهم، فإنهم أعرف الناس بواقعهم، وأقدر الناس على تقدير المصالح والمفاسد، وينبغي أن يكون أهل كل محلة في أزمنة الفتن تبعًا لعلمائهم. ونسأل الله لهم السداد والرشاد، والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «ما ذكر عن بني إسرائيل» حديث (3463) من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه .
(2) أي: يطعن بها. «فتح الباري» (10/248).
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث» حديث (5778)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» حديث (109).