ما حكم المشاركة في أنظمة الحكم المعاصرة التي أقصت الشرعية كليًّا أوجزئيًّا؟ فهل يجوز المشاركة في المجالس النيابية في ظل هذه الأنظمة؟ وما حكم الانتخابات في الإسلام؟ لأنني اختلفتُ مع بعض الأشخاص فأقرُّوا بحرمة الانتخابات وأنها من أمور العقيدة وأنها طاغوتية، فيا ليتكم تُفتونا لأنهم وافقوا على استفتائك؟ وهل يوجد أدلة شرعية لذلك؟ وجزاك الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن خيرَ ما أُجيب به عن سؤالك هذا هو إحالتك إلى قرار المجمع الفقهيِّ التَّابع لرابطة العالم الإسلامي في هذا الصَّدد، أسوقه لك بنصِّه تتميمًا للفائدة، ومن خلاله يُعلم الجواب: القرار الخامس حول موضوع «مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين»: الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه. أمَّا بعد: فإن مجلسَ المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التَّاسعةَ عشرةَ الـمنعقدة بمقرِّ رابطة العالم الإسلامي بمكَّة المكرمة في الفترة من (22- 26 شوال 1428هـ، التي يُوافقها 3- 7 نوفمبر 2007م) قد نظر في موضوع «مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلاميَّة»، وهو من الموضوعات التي جرى تأجيلُ البتِّ فيها في الدَّوْرة السَّادسة عشرة الـمنعقدة في الفترة من (21- 26 شوال 1422هـ) لاستكمال النَّظَر فيها.
وبعد الاستماع إلى ما عُرض من أبحاثٍ وما جرى حولها من مناقشات ومداولات، قرَّر المجلس ما يلي:
1. مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية من مسائل السياسة الشرعية التي يتقرر الحكم فيها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، والفتوى فيها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
2. يجوز للمسلم الذي يتمتع بحقوق المواطَنَةِ في بلدٍ غيرِ مسلم المشاركةُ في الانتخاباتِ النيابية ونحوها؛ لغلبةِ ما تعود به مشاركتُه مِن المصالح الراجحةِ، مثلَ تقديم الصورةِ الصحيحةِ عن الإسلام، والدفاع عن قضايا المسلمين في بلده، وتحصيل مكتسبات الأقليات الدينية والدنيوية، وتعزيز دورهم في مواقع التأثير، والتعاون مع أهل الاعتدال والإنصاف؛ لتحقيق التعاون القائم على الحق والعدل، وذلك وَفق الضوابط الآتية:
أولًا: أن يقصد المشاركُ من المسلمين بمشاركته الإسهامَ في تحصيل مصالحِ المسلمين، ودرء المفاسد والأضرار عنهم.
ثانيًا: أن يَغلِب على ظنِّ المشارك من المسلمين أن مشاركته تُفضِي إلى آثارٍ إيجابيةٍ، وتعود بالفائدة على المسلمين في هذه البلاد؛ مِن تعزيز مركزهم، وإيصالِ مطالبهم إلى أصحاب القرار، ومديري دَفةِ الحكم، والحفاظ على مصالحهم الدينية والدنيوية.
ثالثًا: ألَّا يترتب على مشاركة المسلم في هذه الانتخابات ما يؤدي إلى تفريطه في دينه. كما صدر قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في قضية المشاركة السياسية، ونص على أنها من مسائل السياسة الشرعية التي يدور حُكمها في فَلَكِ الموازنة بين المصالح والمفاسد؛ فيكون مشروعًا إذا حسُنَت فيه النيةُ وكانت المصلحةُ فيه ظاهرةً، ولم تعارَض بمفسدةٍ راجحةٍ، وقد يبلُغ مبلغَ الوجوبِ إذا تعيَّن وسيلةً لتحصيل بعضِ المصالح الراجحةِ أو تعطيلِ بعضِ المفاسد الظاهرة، وقد يكون حرامًا إذا عظمت مفسدتُه، وغلب ضُرُّه على نفعه، بل ربما أدَّى إلى فسادٍ في الاعتقاد، فهو مما تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال، وذلك تبعًا لتغيرِ وجوه المصلحة. كما صدر قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ونص على ما يلي:
أولًا: هدف المشاركة السياسية هو صيانةُ الحقوق والحريات، والدفاع عن القيم الخلقية والروحية، وعن وجود المسلمين في ذلك البلد ومصالحهم المشروعة.
ثانيًا: الأصل مشروعية المشاركة السياسية للمسلمين في أوروبا، وهي تتردد بين الإباحة والندب والوجوب، وهذا مما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، كما أنه يُعتبَر من مقتضيات المواطنة.
ثالثًا: المشاركة السياسية تشمل الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني، والالتحاق بالأحزاب، وتكوين التوجهات، والمشاركة في الانتخابات تصويتًا وترشيحًا.
رابعًا: مِن أهم ضوابطِ المشاركة السياسيةِ الالتزامُ بالأخلاق الإسلامية، كالصدق والعدل والوفاء والأمانة، واحترام التعدُّدية والرأي المخالف، والتنافس النزيه مع المعارضين، وتجنُّب العنف.
خامسًا: من أهم ضوابط المشاركة السياسية: التصويت في الانتخابات، بشرط الالتزام بالقواعد الشرعية والأخلاقية والقانونية، ومنها وضوح المقاصد في خدمة مصالح المجتمع، والبعد عن التزوير أو التشهير، والتجرُّد من الأهواء الشخصية.
سادسًا: جواز بذل المال للحملة الانتخابية، حتى لو كان المرشَّحُ غيرَ مسلمٍ، ما دام أقدرَ على تحقيق الصالح العام.
سابعًا: مشروعية المشاركة تنطبق على المرأة المسلمة، كالرجل. هذه هي قرارات المجامع الفقهية التي تضم صفوةَ فقهاء الأمة وعلمائها؛ فاعضض عليها بالنواجذ. زادك الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.