ما حكمُ الانقلاب الأبيض- الانقلاب العسكري اللادموي- لمن له القدرة على ذلك، كوزير الدفاع أو القائد العام للقوات المسلحة أو مسئولي الجيوش؛ بهدف تحكيم الشريعة تدريجيًّا، فقط نظرًا للظروف الخارجية الدولية وأيضًا للظروف الداخلية؟
مع العِلْمِ أن الوضعَ الحاليَّ مليء بالظلم، حتى إن الشعبَ والحيوانات والنبات يعيشون على مياه المجاري، أمَّا عن العداوة والإفساد لكلِّ ما هو إسلاميٌّ- عن قصدٍ أو عن جهل؛ فالنتيجة واحدة- فحَدِّث ولا حرج.
هل من إثمٍ لعدم القيام بالتغيير مع وجود القدرة الكاملة للقيام بذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن تبسيطَ قضيَّة التغيير على هذا النَّحْو يُعَدُّ جزءًا من المشكلة، فإن حجمَ الخلل الذي نَخَر في جسد هذه الأُمَّة عبر عصور الانحطاط وعبر عصور الاستعمار أضخمُ من أن يتمَّ تغييرُه بمجرد استبدال زيدٍ أو عمرٍو من الحكام.
إن محورَ التغيير إنما هو الإنسان، عندما يُغيِّر ما بداخله من الشرِّ يُغيِّر له اللهُ ما حوله من المفاسد ويُصبِح أهلًا لأن يَحكُمَ بالشَّريعة وأن ترفرف عليه رايتُها.
وإن الاشتغالَ بهدم القائم من غير أن تملك تصوُّرًا واضحًا ومتكاملًا وناضجًا للبديل المنشود إنما يدفع بالأُمَّة إلى المحارق، وإن منطق الفوضى الخلاقة الذي اعتمده الغرب في عداونه الأخير على الأُمَّة قد رأينا جناياته عليها في أرتال الضحايا وملايين الشهداء وأكوام الأنقاض والخرائب.
تسأل قائلًا: هل من إثمٍ لعدم القيام بالتغيير مع وجود القدرة الكاملة للقيام بذلك؟ ونبادرك بسؤالٍ مقابل: ما أمارات وجود القُدْرة الكاملة على القيام بالتغيير المنشود؟ ومن ذا الذي يُقرِّر ذلك؟ وهل القُدْرة العسكرية على ضبط الجنود في المعسكرات تعني القُدْرة المدنية على قيادة الدَّوْلة وبناء المؤسَّسات والحضارات؟
أعتقد أن الأمرَ أعقدُ من ذلك، وأنه في حاجةٍ إلى تدبُّرٍ أعمق ونظرة أدقَّ وأوثق، وخيرٌ لك أن تشتغلَ بما تقدر عليه من أعمال الخير بدلًا من تصعيد النَّظَر إلى هذه الأمور التي استشرف لها غيرُك بلا خبرةٍ ولا رويَّة فدفعوا بأنفسهم وبمن وراءهم إلى المحارق والمهالك.
زادك اللهُ حرصًا وبصيرة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
