شيخنا الحبيب الدكتور صلاح الصاوي حفظه الله. أحتاج مشورتكم في قضية خاصة بالعمل الإسلامي في هذه المرحلة الحرجة؛ حيث إن تصوري أن العمل الدعوي ينبغي أن يركز على الدعوة الخاصة التي تنتج كوادر متميزة على المستوى الإيماني والعلمي والفكري والدعوي، وتكون هذه الكوادر مستقبلًا الذين يتحملون النصيب الأكبر في العمل الإسلامي، ومن ثم ينبغي ترتيب العمل ووضع برامج جادة في كيفية انتقاء هؤلاء الأفراد والارتقاء بهم في كل المستويات، على أن يتمتع هذا العمل بأكبر قدر من الهدوء والتدرج، وقدر من الحيطة والحذر.
وفي رؤيتي أن هذا ينبغي أن يُوجَّه له ثلثا الجهود، في حين يكون الثلث الآخر في الخطاب العام والدعوة العامة لتحقيق الأهداف التي سبق إرسالها لفضيلتكم.
فما رأيكم في هذا الطرح؟ وما نصحكم ومشورتكم؟
أمر آخر شيخنا، وهو مشكلةٌ صارت ظاهرةً في فترةِ ما بعد الثورة، وهي كثرة التهجم والطعن في السلفيين وتشويه صورتهم واتهامهم بالجبن والتخاذل تارة، وبركوب الموجة تارة، وبمداهنة الحُكَّام والانعزال عن الواقع تارة، وعدم موافقة منهجهم لهذه المرحلة، ونحو ذلك من أمور.
وللأسف يشترك بعضُ السلفيين ربما بسبب هزيمتهم النفسية في الطعن في السلفيين وتشويه صورتهم، ومن هؤلاء بعض الشيوخ المشهود لهم بالعلم والفضل.
وأقع أحيانًا في حيرة شديدة بين ضرورة الانتصار للمنهج السلفي من جهة، والعمل على إزالة الحواجز وتوحيد صفوف العاملين لنصرة الدين من جهة أخرى.
فأين ترون الأولوية في ذلك؟ وما مشورتكم ونصحكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن العمل الإسلامي عمل أمة، وليس عمل فصيل بعينه من الفصائل التي انتصبت لنصرة الدين، وشمولية الدعوة لا تعني بالضرورة شمولية الحركة، فإن الفصيل المعين إنما يُقيم من فروض الكفايات ما يقدر على القيام به، وما تُؤهِّله إمكاناته وطاقاته لأدائه، ويتولى آخرون إحياء بقية الفرائض، فيحيا مجموعُ الفرائض على مستوى مجموع الأمة.
وقد علمت أيها الموفق أن اللهَ تعالى قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، ومن الناس من يفتح عليه في باب معين من أبواب السعي لإقامة الدين ثم يفتح على آخرين في باب آخر، وهكذا، فما فتح عليك فيه فالزم غرزه، فإن المرء يكون أنفع حيث يجد نفسه، وحيث تتفجَّر طاقاته، والتيسير علامة الإذن.
وما ذكرته من إعداد الكوادر والطاقات من الثغور المهمة، والتي تحتاج إلى من يرابط عندها، كما أن الخطاب العام ثغرٌ آخر لا يقل أهمية كذلك، ومن الناس من يصلح لهذا ولا يصلح لذاك، فينبغي أن يتجه كلٌّ منا إلى ما فتح الله عليه فيه، وأن يقنع كلٌّ منا بما قسم الله له!
وفقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه، ولا يمنع هذا من تشاور القائمين على العمل الإسلامي لتحديد أولويات وبرامج وخارطة طريق.
أما الطعن في بعض العاملين لنصرة الدين، والتثريب عليهم بسبب اجتهادات عملية أو تطبيقية لم يُرزَقوا فيها الصواب- فليس دَيْدَن الصالحين، وليس سبيل المؤمنين، فـ«لَيْسَ الْـمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ»(1)! وليس مَن طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه، والكف عن أهل التوحيد من معالم الرشد عندما تثور ثائرة الفتن!
وأرى أن يدورَ الحديث حول باقة من المبادئ التي تحكم الاختلاف وترشده، لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة، وحول باقة من المبادئ الموضوعية التي تحكم السعي في هذه المرحلة، من غير أن ننتقد مخالفًا بطريقٍ مباشر، ولكن المفهوم الصحيح سيتعقَّب المفاهيم المغلوطة بطريقة تلقائية، وأن نُعمِّق مبدأ «ليس من طلب الحقَّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه»، وأن نؤكد على أنه في أوقات الدفع العام ينبغي أن يلتقي الناس حول مشترك من الخير العام، وأن يجتهدوا في التعاون عليه واستفاضة البلاغ به، ويبقى التناصح فيما وراء ذلك مشافهةً ومباشرة بعيدًا عن المنابر العامة. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/404) حديث (3839)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في اللعنة» حديث (1977)، والحاكم في «مستدركه» (1/57) حديث (29)، وابن حبان في «صحيحه» (1/421) حديث (192). وقال الترمذي: «حديث حسن»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بهؤلاء الرواة عن آخرهم ثم لم يخرجاه».