هل يجب عليَّ أن أذهب لقصر الاتحادية الآن؟ وقد سمعت أحد القيادات الحزبية الإسلامية يدعو للنزول لقصر الاتحادية والقبض على البلطجية لتقديمهم للتحقيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإنه ينبغي في مثل ذلك أن نفرق بين أمرين: التأصيل النظري للأمر، والتطبيق الميداني له.
أما التأصيل النظري قد اتفق أهل العلم بالشريعة على أن ولي الأمر الشرعي الذي انعقدت له بيعةٌ صحيحة يجب له بموجب هذه البيعة على الأمة حقين: الطاعة والنصرة، طاعته في غير معصية، ونصرته على من بغى عليه، وفي مثل ذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9].
ولسنا بصدد الحديث عن قتال بمفهومه المسلح؛ فقد تواثَق الجميعُ على الجهاد السياسي، فنحن نتحدث هنا عن جهاد الكلمة، ودفع الصائل بأقل ما يندفع به بدون أن تراق قطرة دم واحدة بإذن الله.
ولكن التطبيق الميداني لذلك يحتاج إلى حساب المصالح والمفاسد، ويرجع فيه إلى أهل العلم وإلى أهل الخبرة مجتمعين، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83].
فإن هذه المسائل لابد فيها من النظر إلى المآلات، وحساب ما يستجلب من المصالح وما يتوقع من المفاسد والموازنة الدقيقة بينهما، فليس كل ما صلح نظريًّا صلح ميدانيًّا في جميع الأحوال، بل قد يصلحُ في حالة ولا يصلح في غيرها، فلابد في مثل ذلك من الاعتصام بالشورى، والضراعة إلى الله عز وجل أن يُلهِمَنا الرشد، وأن يجنبنا الزَّيْغ والزلل في القول والعمل، وقد تكفل الله تعالى بهداية المتشاورين المجاهدين في سبيله إلى أرشد أمرهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت: 69]، و«ما اشتور قوم في أمر قط إلا هدوا إلى أرشد أمرهم». وما دار في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد من المواقف والقرارات الميدانية؛ فإن أهل العلم وأهل الخبرة الملاصقين للحدث أقدر على تقديرها من غيرهم.
فينبغي عليك أيها الحبيب أن تستشير أولي الأمر المخالطين للحدث، والمتابعين لمستجداته عن قرب؛ حتى لا نكون كمن يقذفُ بالغيب من مكان بعيد. وأرجو أن تجد عندهم جوابًا دقيقًا إن شاء الله.
ولكن الذي نقطع به أنه إذا عجزت الجهات الرسمية عن السيطرة على الموقف، أو استشعرت حرجًا في ذلك، فلا يجوز إسلام ولي الأمر المسلم للبغاة دونما جناية شرعية تستوجب ذلك من ناحيته.
ونسأل الله أن يلهمنا وإياكم الرشد، وأن يجنبنا وإياكم الزيغ والزلل في القول والعمل، وأن يجنب بلادنا وأمتنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله تعالى أعلى وأعلم.