ما حكم التعامل الأمثل شرعيًّا وسياسيًّا للحاكم الذي سوف يحكم مصر في مسألة التعامل مع الخمور وأنها تجلب السياحة والمنتفعين من وراء السياحة؟ وما رأي فضيلتكم في كيفية التعامل الأمثل لمنعها ومنع حدوث بلبلة في نفس الوقت؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد حرَّم الخمر(1)، ولعن نبيُّه صلى الله عليه وسلم فيها عَشَرةً(2)، وجعل فيها عقوبة حدية، وبيَّن أنها أمُّ الخبائث(3)، وأن مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابدِ وَثَنٍ(4).
وفي نفس الوقت قد جاءت الشريعة بإقرار أهل الذمة وما يدينون، فلا تتعرض لهم فيما يجري بينهم من تعاملٍ في هذه المحرمات ما داموا يعتقدون حِلَّها؛ ولهذا يقول أهل العلم: إن عقدهم فيما بينهم على الخمر والخنزير كعقدنا على العصير والشاة، فما يجري بين أهل الذمة من تصرفات في هذا المجال لا نتعرض لهم فيه، سواءٌ أَجَرَى ذلك بينهم وبين المقيمين، أم جرى بينهم وبين الوافدين من غير المسلمين من السياح أو من غيرهم، على ألا يجري شيء من ذلك في الأماكن العامة، وإنما يكون في دوائر مغلقة فيما بينهم.
هذه رؤية اجتهادية في هذه القضية، إن كانت صوابًا فمن الله، وإن كانت خطأ فمنا أو من الشيطان، ونحن راجعون عنها في حياتنا وبعد مماتنا. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].
(2) ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي في كتاب «البيوع» باب «النهي أن يتخذ الخمر خلًّا» حديث (1295)، وابن ماجه في كتاب «الأشربة» باب «لعنت الخمر على عشرة أوجه» حديث (3381)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له. وقال الترمذي: «حديث غريب»، وذكره الألباني في «صحيح سنن الترمذي» حديث (1295).
(3) فعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اجْتَنِبُوا أُمَّ الْـخَبَائِثِ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ قَبْلَكُمْ يَتَعَبَّدُ وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ خَادِمًا فَقَالَتْ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِشَهَادَةٍ. فَدَخَلَ فَطَفِقَتْ كُلَّمَا يَدْخُلُ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ جَالِسَةٍ وَعِنْدَهَا غُلامٌ وَبَاطِيَةٌ فِيهَا خَمْرٌ، فَقَالَتْ: إِنَّا لَـمْ نَدْعُكَ لِشَهَادَةٍ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقْتُلَ هَذَا الْغُلامَ أَوْ تَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ كَأْسًا مِنْ هَذَا الْـخَمْرِ فَإِنْ أَبَيْتَ صِحْتُ بِكَ وَفَضَحْتُكَ». قال: «فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: اسْقِينِي كَأْسًا مِنْ هَذَا الْـخَمْرِ. فَسَقَتْهُ كَأْسًا مِنَ الْـخَمْرِ. فَقَالَ: زِيدِينِي. فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ. فَاجْتَنِبُوا الْـخَمْرَ فَإِنَّهُ والله لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْـخَمْرِ فِي صَدْرِ رَجُلٍ أَبَدًا لَيُوشِكَنَّ أَحَدُهُمَا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ». أخرجه النسائي في كتاب «الأشربة» باب «ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر من ترك الصلوات ومن قتل النفس التي حرم الله ومن وقوع على المحارم» حديث (5666)، وابن حبان في «صحيحه» (12/169) حديث (5348)، وأخرجه المقدسي في «المختارة» (1/502- 503) حديث (371) مرفوعًا وموقوفًا على عثمان رضي الله عنه ، وأخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (8/287) حديث (17116) موقوفًا على عثمان رضي الله عنه ، وقال المقدسي: «والموقوف هو الصواب»، وذكره الزيلعي في «نصب الراية» (4/297) وقال: «رواه البيهقي في سننه موقوفًا على عثمان وهو أصح»، وذكره الألباني في «صحيح سنن النسائي» حديث (5666) وقال: «صحيح موقوف التعليق على المختارة».
(4) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/272) حديث (2453)، من حديث ابن عباس ب، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/74) وقال: «رجال أحمد رجال الصحيح»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (677).