أنا حاليًا أقيم في الولايات المتحدة, اشتريت منتجًا من منتجات التجميل عن طريق الإنترنت ولم يكن يذكر بلد التصنيع، بعد استلام الجهاز وجدت أن بلد الصنع إسرائيل. في حالة استرجاع المنتج أتحمل تكلفة الشحن. هل يجوز الانتفاع به, أم يجب إرجاعه؟ جزاك الله خيرًا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن المقاطعة لا تعني تحريمَ السلع في ذاتها، وإنما هي رسالةُ احتجاجٍ مدنيَّة صامتة يُمارَس من خلالها واجبُ الإنكار على المعتدين في صورة عمليَّة، وينظر إليها في ضوء تحقيقها لأهدافها وغاياتها.
ودعني أفصل لك القول في هذه القضية تفصيلًا أرجو أن ينفعك الله تعالى به في هذه النازلة وفي مثيلاتها في المستقبل بإذن الله:
المقاطعة هي الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا وَفق نظامٍ جماعيٍّ مدروس، وهي من وسائل المقاومة المشروعة في واقعنا المعاصر، وقد قنَّنَتها المواثيق الدولية، وتتسع لها قواعد السياسة الشرعية.
وإذا كان الأصل هو حرية التعامل في الطيبات بيعًا وشراء، أيًّا كان المتعامل معه بَرًّا أو فاجرًا، مسلمًا أو كافرًا، فإن المقاطعة عندما تتعين سبيلًا لدفع صيال أو كف عدوان فإنها تُصبح من الوسائل المشروعة للمقاومة، بل لا يبعد القول بأن تكون من الواجبات المحتومة، طبقًا لما تمهد في الشريعة من أن الوسائل تأخُذ حكمَ المقاصد حِلًّا وحرمة.
وتطبيقًا لهذه القاعدة فإذا كان التعاملُ مع المعتدي يتضمن تقويةً له وإعانةً له على بغيه وعدوانه بما يصيبه من الربح، ووُجد بديل من السلع التي تُشتَرى من المعتدي سواء أكان من خلال استجلابها من مسلم أو من مسالم، فإن الأدلة الشرعية تتظاهر على حرمة هذا التعامل وتُشدد النكيرَ على فاعله.
ولقد كانت المقاطعةُ من أفعل الأسلحة في الحروب قديمًا وحديثًا، وقد استخدمه المشركون في محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فآذاهم إيذاءً بليغًا. واستخدمه المحاربون لهذه الأمة من المعاصرين فأحدث في المواضع التي استخدم فيها أضرارًا فادحة، وما خبر العراق ببعيد.
والمقاطعة سلاحٌ في أيدي الأمة دائمًا، فلا ينبغي أن تُغلب عليه، لاسيما إذا أعوزتها الأسلحة الأخرى، وإذا ثبت مضاءُ هذه السلاح وشدةُ تأثيرِه، فلا تستطيع الحكومات مهما كانت مستبدةً ومتسلطة أن تفرض على الناس أن يشتروا بضاعةً من مصدر معين أو من دولة بعينها.
وعلى سبيل المثال لقد رأينا ما جرى في بعض الدول الغربية من اعتداء سافر على مقام خاتم الأنبياء، ومن صلَفٍ واستكبار من بعض القائمين على الأمر في حكومات هذه البلاد؛ ولما كانت هذه الدول تعتمد في جُلِّ اقتصادياتها على ما تُصدِّره للعالم الإسلامي من منتجاتها الزراعية وغيرها، فإن أدنى ما يمكن القيامُ به تعبيرًا عن الاستياء والاستنكار لهذه الجريمة النكراء وصيانةً لمقام النبوة من تطاول المعتدين- هو الامتناعُ عن التعامل مع منتجات هذه الدول المعتدية وإشاعة هذا الأمر على مستوى الشعوب في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، باعتبار ذلك هو الصوت الوحيد الذي يتسنى الاستماعُ إليه في مثل هذه الأجواء، والذي يمكن مع استمراره أن يضع حدًّا لهذه الجريمة التاريخية النكراء، وأن يمنع من امتدادها إلى ما جاورها من الدول.
ومن ناحية أخرى فإن في المقاطعة أبعادًا تربوية ودعوية لا تقلُّ في أهميتها عن الأبعاد الاقتصادية التي تتضمنها، فهي تتضمن فيما تتضمن ما يلي:
• تربية الأمة على التحرُّر من العبودية والتبعية الاقتصادية لهذه السلع والمنتجات التي تُستنزف بها مقدراتُ البلاد لصالح هؤلاء المعتدين.
• إحياءُ مفهوم الولاء والبراء، وتجديدُ معاني الأخوة الإسلامية في صور واقعية ومحسوسة، وتأكيد معنى البراءة من المعتدين، وحمل حكوماتهم على القيام بدورها في الضرب على أيدي سُفهائهم وكفِّهم عن عدوانهم.
وينبغي أن يصدرَ بهذه المقاطعة قرارٌ من أُولي الأمر، لتكون المقاطعةُ جماعيةً ولتكون آثارُها فعالةً وموجِعةً، فإذا تردَّد بعضُ الولاة في القيام بواجبهم لأي سبب من الأسباب انتقلت المسئولية إلى العلماء، الذين يتعيَّن عليهم أن يخاطبوا الأمة بذلك، فإن أولي الأمر في الأمة فريقان: أهل العلم، وأهل القدرة: العلماء والأمراء، فإذا تباطأ الأمراء عن دورهم في حمل الأمة على ما يقتضيه النظر الشرعي فإن الأمور موكولة إلى العلماء، وقد أخذ الله عليهم الميثاق بالبيان، وتوعدهم أبلغ وعيد على الكتمان( ).
هذا وإن وجوب المقاطعة يشمل المستهلكين كما يشمل التجارَ المستوردين لهذه السلع؛ حتى تتكامل الأدوار في تفعيل هذا السلاح ليكون مُنتِجًا لآثاره ومفضيًا إلى مقصوده.
هذا هو ما تيسَّر تسطيرُه لك في هذا الباب.
وعلى كل حال يمكنك الانتفاعُ بهذا المنتج هذه المرة، وينبغي أن تكون يقظًا بالنسبة للمستقبل. والله تعالى أعلى وأعلم.
الانتفاع بمنتج إسرائيلي استجلب عبر الإنترنت من غير معرفة بلد الصنع
تاريخ النشر : 24 يناير, 2025
التصنيفات الموضوعية: 05 السياسية الشرعية