إلى أين تتجه القافلة في مصر بعد انقلاب 30 يونيو؟

تتلاحق الأحداث في مصر، ويتسع نزيفُ الدماء التي ترسم ملامح اللاعودَة على المشهد المصري، فما نصيحتكم تجاه الأوضاع الراهنة؟ وإن غاب مثلكم أو سكت تقيَّةً فمتى يتبين للناس الحق؟تتلاحق الأحداث في مصر، ويتسع نزيفُ الدماء التي ترسم ملامح اللاعودَة على المشهد المصري، فما نصيحتكم تجاه الأوضاع الراهنة؟ وإن غاب مثلكم أو سكت تقيَّةً فمتى يتبين للناس الحق؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فلا أقَضَّ لمضاجعنا ولا أوجعَ لقلوبنا من هذا الذي يجري في المشهد المصري، وكما كتبنا ناصحين لقومنا من الفريقين، ولكن قد جرى القلم بما هو كائن، والذي لا يستشعر بشاعةَ ما يجري وشؤمه وسوء مغبته، فهو مغيب، أو مفتون قد هوت به الفتنة في مكان سحيق.
أوافق سائلي الكريم على تساؤله: إذا سكت العالم تقيَّة، والجاهل بجهلٍ فمتى يتبين الحقُّ للناس؟ وتلك كلمة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، بل أزيده فأقول: إن الباطل ينتشر بسكوت العالم كما ينتشر بقوله المخالف للحقِّ؛ لأن سكوته إقرارٌ وقد قال تعالى: لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة: 63].
نعم:
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
ولكن أين الـمَخلص والمفاز؟ ذلك هتاف الأمة الحيرى يتجلجل في صدرها المكظوم كلما بهرتها الشدائد، وأجهدتها المفاوز، وفدحتها الضحايا، ووقف بها اللُّغوب، ودارت ببصرها في معامي الفضاء، لا تتبين نسمًا لطريق، ولا تتعرف وجهًا لغاية.
أين الـمَخلص والمفاز؟ ذلك هتاف القافلة المكروبة، تتخبط منذ زمن طويل في مجاهل الأرض وخوادع السبل، وساستها الغواة يلتهمون زادَها مع الوحش، ويقتسمون مالها مع الـمُغير، ويغتنمون ضلالها مع الحوادث.
ولا أكتمكم القولَ: إن كثيرًا من أهل الحق في تحيُّر، هل يُواصلون الضغط نصرة للشرعية، ووفاء للشهداء، مع ما يعنيه ذلك من مزيد من الحفر والأخاديد التي تملأها الدماء على طريق اللاعودة؟! أم يلقون السُّلم مرحليًّا حقنًا للدماء، ومنعًا لمزيد من التمزُّقات في أديم هذا الوطن المنكوب والأمة المأزومة؟! إلى أن يستردَّ الجسدُ الإسلاميُّ المثخن بالجراحات شيئًا من عافيته، ويأذن الله بدَحرِ هذا الباطل، ويصيب من تولى كبرَه بعذاب من عنده أو بأيدي من شاء من عباده المؤمنين.
والحديث هنا عن ولاية المتغلِّب، واستدعاء النصوص التراثية التي تدعو إلى إلقاء السُّلم إليه يحتاج إلى مراجعة، فهي لا تنطبق على المشهد المصري بحال.
فقد ذكر الإمام الماوردي في «الأحكام السلطانية» سبعة شروط في الخليفة والأمير المستولِـي، أي المتغلب، ليس شرط منها ينطبق على من تولى كبرَ هذه الفتنة في مصر؛ سواء حكم مباشرةً أو من وراء ستار، وهذه هي الشروط التي ذكرها الماوردي رحمه الله مختصرة:
• حفظ منصب الإمامة في خلافة النبوة وتدبير أمور الملة.
• ظهور الطاعة الدينية التي يزول معها حكمُ العناد فيه وينتفي بها إثم المباينة له.
• اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر ليكون للمسلمين يد على من سواهم.
• أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة والأحكام والأقضية نافذة فيها.
• أن يكون استيفاء الأموال الشرعية بحق تبرأ به ذمة مؤديها ويستبيحه آخذها.
• أن تكون الحدود مستوفاةً بحق وقائمة على مستحق.
• أن يكون الأمير في حفظ الدين ورعًا عن محارم الله.
فهل انطبق شيء من هذه الشروط على ما يجري الآن على المشهد المصري منذ انقلاب الثلاثين من يوليو حتى هذه اللحظة؟!
فلا يسعف إذن استدعاءُ تراث أهل العلم في الحاكم المتغلب لتطبيقه على الفتنة المصرية، فلم يبق إذن إلا أن يتداعى أهل الحق إلى مؤتمر موسع، يضم مختلف أطياف المشهد الدعوي والوطني الرافض لها الانقلاب، وأن يأتمروا بينهم بمعروف، وأن يخرجوا على الأمة بقرار مدروس حكيم، فما اشتور قوم في أمر قط إلا هدوا إلى أرشد أمرهم، وقد قال تعالى:  وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 83].
ويبعد في فضل الله عز وجل أن يجتمع أمثالُ هؤلاء، مخلصين في طلب الحقِّ، ثم يُضلهم ربهم جميعًا، وهو الحنَّان المنان الرحيم الودود القريب المستجيب. والله تعالى أعلى وأعلم.
تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend