ما هوالحكم الشرعي لأعمال العنف التي كان يقومُ بها بعض المتدينين فيما مضى، أو تنسب إلىهم؟ سواء أكان ذلك داخل الدول الإسلامية أوخارجها؟ ثم تفرد بها لهم الفلول وأعداء الثورة حاليًا؟ وأصبح يجند لها البلطجية والشبيحة وكل من مات ضميره ووطنيته؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن أعمال العنف التي تروِّع الآمنين، وتستباح بها الحرمات- منكرات وجرائم شرعية وقانونية، ولا نصيب لها من الشرعية بالكلية، أيًّا كان القائمون بها؛ أفرادًا كانوا أو جماعات، من المتدينين أم من غيرهم، وسواء أكان هذا داخل بلاد الإسلام أم كان خارجها؛ وذلك لما يلي:
أولًا: أعمال العنف داخل ديار الإسلام:
• إن توجهت إلى إتلاف بعض المرافق العامة فهي عدوان على مال عام لم يزل مملوكًا للأمة، ومشاركة ظالمة في جريمة إفقار الأمة، ومظاهرة لخصومها عليها، وإن لم يقصد إلى ذلك بعض هؤلاء الغلاة والمعتدين، ومثل ذلك إن توجهت إلى إتلاف ممتلكات خاصة فهي بغي يسخطه الله ورسوله، فـ«كُلُّ الْـمُسْلِمِ عَلَى الْـمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»(1). و«الْـمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْـمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه»(2). والثورة لا تُحلُّ حرامًا، ولا تحرم حلالًا، بل الحلالُ ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله(3).
• وإن توجهت إلى مواطنين من غير المسلمين فهو نقضٌ للأمان الذي يتمتعون به باعتبار المواطنة، والذي يُعد أثرًا من آثار عقد الذمة القديم الذي عقد لهم إبان الدول الإسلامية الغابرة، وما يقع من بعضهم من استطالة أو خروج على مقتضيات الذمَّة يتحمل وحده عِبئَه، ويسأل وحده عنه، ويتولى محاسبته على ذلك الولاةُ، ولا يوكل شيء من ذلك إلى الآحاد لما يُفضي إليه من الفتن والتقابل وإراقة الدماء، وهو الأمرُ الذي لا تأتي بمثله شريعة سماوية.
• وإن توجهت إلى بعض الأجانب من غير المسلمين فهو عدوان على مستأمنين وتحريم ذلك ظاهر، وإن كانت دولهم من أشدِّ الدول حربًا للإسلام وعداوة لأهله، وكل الشبهات التي يتذرع بها لتسويغ هذا الأمر داحضة ومردودة.
• وإن امتدت لتطال بعض المسلمين تبعًا فهو عدوان على الأنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق(4)، والاستدلال بالتترس والتبييت ونحوه لا يصلح في مثل هذا المقام لاختلاف المناط أو لتخلف الشروط والقيود.
• وإن توجهت إلى بعض مواقع الفساد داخل بلاد الإسلام كالخمارات وبيوت الخنا أو بعض معاقل الشرك والبدعة ونحوه فهو مما نهي عنه كذلك، لما ثبت بيقين من أن مفاسد هذه الأعمال تربوا على مصالحها، وقد تمهد أن الاحتساب على المنكرات إذا ربت مفاسدُه على مصالحه نُهي عنه وإن كان الله يبغض هذه المنكرات ويسخط أصحابها.
ثانيا: أعمال العنف خارج ديار الإسلام:
• إن قام بها مستأمنون من أهل الإسلام داخل هذه الدول فهو نقضٌ لعقد الأمان وخفر للذمة، وغدر يسخطه الله ورسوله، لأن التأشيرة التي دخلوا بمقتضاها إلى هذه الدول عقدُ أمان يُنشئ حقوقًا وواجبات متبادلة أدناها الأمان المتبادل من كلا الفريقين على الأنفس والأموال والأعراض، هذا فضلًا عن كونه استعداءً على الإسلام ودوله ومجتمعاته، وتعبئة للمشاعر السلبية ضدَّه في المشارق والمغارب، وتلك قضية لا يُستهان بها، ومن أجلها امتنع النبي ﷺ عن قتلِ بعض من استوجبَ القتل من المنافقين حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.
• وإن قام بها مواطنون أصليون من أبناء هذه المجتمعات من المسلمين فإنها مما ينهى عنه كذلك، لما تتضمنه من المفاسد الراجحة الظاهرة، لأنها ستحسب على أهل الإسلام في الجملة، وستتحمل الجاليات المسلمة المقيمة على أرض هذه الدول تبعاتها وتصطلي بويلاتها، ونقدم بذلك للمتربصين بهذه الأمة غنيمة باردة عندما يتخذون من هذه المواقف ذريعةً للطعن في الإسلام وتشويهَ دعوته والإرجافَ حول أبنائه في المشارق والمغارب.
الحصاد النكد لهذه الأعمال العدوانية:
وقد رأينا من شؤم هذه العلميات في واقعنا المعاصر ما تقشعرُّ لهوله الأبدان، ومن ذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر:
• قتل الأنفس المعصومة سواء أكانت أنفس المسلمين، أم أنفس من يكونون في مواقع هذه الأحداث من المستأمنين.
• زعزعة الأمن، وانتشار الفوضى، وتخريب المنشآت الحكومية وغير الحكومية ظلمًا وغدرًا وعدوانًا، فهذه المرافق العامة ليست ملكًا لأحد دون أحد، بل ملك للأمة، وتدميرها إفقار للأمة، وإهدار لمقدراتها، وعدوان على حاضرها ومستقبلها على حد سواء. فلا يقر بذلك أحدٌ غير مغلوب على عقله من المسلمين أو من غيرهم.
• تهيئة الأجواء للدعوة إلى تغيير المناهج الدينية بما يوافق الأهواء، كحذف باب الولاء والبراء مثلًا، أو حذف كل ما يتحدث عن عقائد اليهود والنصارى وما شابه ذلك.
• إضعاف الدَّعم الذي كان يُبذل للعمل الإسلامي في المشارق والمغارب من قبل ذوي اليسار في الأمة، فقد بات الـمُحسنون يتوجَّسون أن ترتدَّ هذه الأعمال سهامًا في صدورهم عندما يتهم بعض من يتلقونها بالإرهاب وتتسع رقعة الاتهام لتنال كل من آزرهم أو قدم لهم عونًا في لحظة من اللحظات، لاسيما في ظل ما تباشره الدول الكبرى هذه الأيام من مراقبة صارمة ودقيقة لحركة تدفق الأموال في الشرق والغرب، وكم تضررت من ذلك مراكز ومساجد ومؤسسات إسلامية وجمعيات خيرية كانت في أوج ازدهارها قبل شيوع هذه الأعمال وتطاير شررها.
• إغلاق باب الجهاد ونصرة قضايا المسلمين العادلة في كل مكان، فبعد أن كان كثير من دول الإسلام تسمح لشعوبها بالتجاوب مع قضايا الأمة وقد تشارك بنفسها في ذلك حسبما يتسنى لها أغلقت هذه الدول أبواب الجهاد، وضيقت مسالكه عندما وقعت هذه الوقائع وتطاير شررها، واستغل المرجفون والذين في قلوبهم مرض هذه الأجواء لكي يهيجوا مؤسسات الدولة على كل مظاهر التدين في مجتمعاتهم فَحُرِمَ المسلمون من الجهاد في سبيل الله، ومُنعت دول مظلومة من مؤازرة المجاهدين لها، فكان الإثم والوزر على من كان سببًا في ذلك.
• الصدُّ عن سبيل الله تعالى وإغلاق باب الدعوة، فقد توقفت قوافل الدعوة التي كانت تنطلق من كثير من الدول الإسلامية وحجبت عنها ميزانياتها وجمدت برامجها، نظرًا لعدم قبول الدول المستقبلة لهم خوفًا من أن يكونوا إرهابيين، وتخوف الدول المرسلة من أن تنسب إلى دعم الإرهاب وتوضع في قائمة الدول الراعية له على الصعيد الدولي.
• إساءة الظن بالإسلام والمسلمين، في المشارق والمغارب وهو أمر لا يمكن تجاهله، كيف وقد اعتبره النبي ﷺ عندما امتنع عن قتل بعض المنافقين الذين أظهروا ما يستوجبون به القتلَ مخافة أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟!
هذا غيض من فيض من الحصاد النكد لهذه الأعمال العدوانية الخارجة على الشريعة، والتي حاولت المجامع الفقهية تحرير القول فيها وإعلان حكم الله فيها على الأمة، بل على العالم أجمع ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) أخرجعه البخاري (2564).
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» حديث (10) من حديث عبد الله بن عمرو.
(3) فقد أخرج الترمذي في كتاب «اللباس» باب «ما جاء في لبس الفراء» حديث (1726)، وابن ماجه في كتاب «الأطعمة» باب «أكل الجبن والسمن» حديث (3367) من حديث سلمان، قال: سُئل رسول الله ﷺ عن السمن والجبن والفراء قال: «الْـحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْـحَرَامُ مَا حَرَّمَ االلهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»، وحسنه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (3367).
(4) قال تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].