شيخي، بارك الله فيكم، وأحسن الله إليكم، أرجو من فضيلتكم شرح حديث عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى َيَشْهَدُوا َأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا ِمِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَـهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله». والسبب أن النصارى كلما حدثهم أحد عن الإسلام روى هذا الحديث. وكأنهم يقولون: أمرت أن أقتل الناس… الحديث، وماذا عن المعاهد ومؤدي الجزية؟ وهل النصارى- وهم أهل الكتاب- يدخلون في هذا الحديث؟ أرجو من فضيلتكم التفصيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن حديث: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ…»، حديث صحيح لا شكَّ في صحته؛ فهو متَّفق عليه أخرجه الشيخان البخاري ومسلم(1)، ولكن يبقى النظر في معناه:
فمن المعلوم أن كلمة (الناس) في هذا الحديث عام يراد به خاص، فالمراد بهم مشركو العرب الذين عادَوُا الدعوة منذ فجرها، وعذَّبوا المسلمين في مكة ثلاثة عشر عامًا، وحاربوا الرسول تسعة أعوام في المدينة، وغزَوْهُ في عقر داره مرتين، يريدون استئصاله وأصحابه، والقضاء على دعوته، وهؤلاء القوم كما وصفتهم سورة التوبة: ﴿أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[التوبة: 13]؛ فقد نفض الرسول يده منهم، ولم يعُد هناك أمل في صلاحهم، فهؤلاء لهم موقف لا ينطبق على غيرهم، وبخاصة أن الإسلام يريد أن يجعل من الحجاز حَرَمًا للإسلام، ومَعقِلًا له، لا ينازعه فيه دين آخر.
وعلى هذا فلا علاقة للنصارى بهذا الحديث، بل النصارى هم أقرب الناس مودة للذين آمنوا كما نص على ذلك القرآن الكريم: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ [المائدة: 82]
وعلاقة من لم يعتد منهم على أهل الإسلام علاقة عهد وأمان، تقوم على البر والقسط، ولهم على ذلك ذمة الله ورسوله،{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] ومن ظلم أحدًا منهم أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته فإن رسول الله ﷺ حجيجه يوم القيامة(2). ونسأل الله لنا ولك التوفيق. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } [التوبة: 5]حديث (25)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» حديث (20) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
(2) أخرج أبو داود في كتاب «الخراج والإمارة والفيء» باب «في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات» حديث (3052) عن عدة من أبناء أصحاب النبي ﷺ عن آبائهم، عَنْ رَسُولِ الله ﷺ قال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (445).