حول نهي النبي ﷺ أن يقعد بين الظل والشمس

عن بريدة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ نهى أن يقعد بين الظل والشمس، استغربت عندما رأيت هذا الحديث, فأنا في بلدٍ الشتاء فيه طويل جدًّا، وأصاب باكتئاب شتوي بسبب الظلام هنا, ففي الصيف أكون محتاجة لأشعة الشمس، ومع أقل فرصة تشرق الشمس أخرج وأطفالي ونجلس تحت أشعتها؛ لأن فضيلتكم على علم بما يصاب به الإنسان من قلة الشمس والضوء, فما الحكم هل أنا آثمة؟ وخاصة أني أصاب بالاكتئاب الشتوي فأحتاج لنور الشمس؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد ثبت النهي كما ذكرت عن الجلوس في مكان يقع بين الظل والشمس؛ لما رواه ابن ماجه في «سننه» عن بريدة: أن النبي ﷺ نهى أن يقعد بين الظل والشمس(1).
كما ورد في حديث آخر صحيح كذلك أن الحكمة من النهي كون المكان المذكور مجلسًا للشيطان، بالإضافة إلى الآثار الصحية المترتبة على الجلوس في هذا المكان.
وهذا النهي المذكور في الحديث محمول على الكراهة، وليس على التحريم، كما أنه محمول على من اتخذ ذلك عادة له وليس ما جرى منه ذلك مجرى الفلتة العارضة، ففي الموسوعة الفقهية: يكره الجلوس بين الضحِّ والظل؛ لحديث أن النبي ﷺ نهى أن يجلس بين الضَّحِّ والظِّلِّ، وقال: «مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ»(2).
وقال ابن منصور لأبي عبد الله: يكره الجلوس بين الظل والشمس؟ قال: هذا مكروه، أليس قد نهي عن ذا؟ قال إسحاق بن راهويه: صح النهي فيه عن النبي ﷺ… قال سعيد: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأى رسول الله ﷺ أبي في الشمس فأمره أن يتحول إلى الظل(3). وفي رواية عن قيس عن أبيه: أنه جاء ورسول الله ﷺ يخطب، فقام في الشمس فأمر به فحوَّل إلى الظل(4). انتهى(5).
وفي «فيض القدير» للمناوي: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الشَّمْسِ- في رواية: فِي الفَيْء- فَقَلَصَ- بفتحات، أي: ارتفع وزال- عَنْهُ الظِّلُّ وَصَارَ- أي: بقي- بَعْضُهُ فِي الظِّلِّ وَبَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ فَلْيَقُمْ»(6)، أي فليتحول إلى الظل، ندبًا وإرشادًا؛ لأن الجلوس بين الظل والشمس مُضِرٌّ بالبدن؛ إذ الإنسان إذا قعد ذلك المقعد فسد مزاجه لاختلاف حال البدن من المؤثرين المتضادين، كما هو مبين في نظائره من كتب الطب. ذكره القاضي. وقضيته أنه لو كان في الشمس فقلصت عنه فصار بعضه فيها وبعضه في الظل كان الحكم كذلك، ثم لما خفي هذا المعنى على التوربشتي قال: الحقُّ الأَبْلَجُ التسليمُ للشارع؛ فإنه يعلم ما لا يعلمه غيره، فإن قلت: هذا ينافيه خبر البيهقي عن أبي هريرة: رأيت رسول الله ﷺ قاعدًا في فناء الكعبة بعضه في الظل وبعضه في الشمس(7). قلت: محل النهي المداومة عليه واتخاذه عادة بحيث يؤثر في البدن تأثيرًا يتولد منه المحذور المذكور، أما وقوع ذلك مرة على سبيل الاتفاق فغير ضارٍّ، على أنه ليس فيه أنه رآه كذلك ولم يتحول، وبهذا التقرير انكشف أنه لا اتجاه لما أبداه الذهبي كمتبوعه في معنى الحديث أنه من قبيل استعمال العدل في البدن كالنهي عن المشي في نعل واحدة. انتهى(8).
وليس في الحديث النهي عن الجلوس في الشمس والانتفاع بأشعتها، وإنما فيه إرشاد إلى العَدْل في البدن، كالنهي عن السير في نعل واحدة، فاجلس في الشمس كما تشاء، ولكن اعدل مع بدنك، فلا تجعل بعضه في الشمس وبعضه في الظل. والله تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب «الأدب» باب «الجلوس بين الظل والشمس» حديث (3722)، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/116) وقال: «هذا إسناد حسن».

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/413) حديث (15459) من حديث رجل من أصحاب النبي ﷺ. وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/60) وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير كثير بن أبي كثير وهو ثقة».

(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/426) حديث (15556)، من طريق شعبة عن إسماعيل بن خالد، به. وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/144- 145) وقال: «إسناد جيد».

(4) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في الجلوس بين الظل والشمس» حديث (4822)، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/144- 145) وقال: «إسناد جيد».

(5) «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/144).

(6) أخرجه أبو داود في كتاب «الأدب» باب «في الجلوس بين الظل والشمس» حديث (4821) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (4821).

(7) أخرجه البيهقي في «الكبرى» (3/237) حديث (5715).

(8) «فيض القدير» (1/425).

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الحديث الشريف وعلومه

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend