ما تخريج حديث: «لَا إِيمَانَ لِـمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِـمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ»، وما معناه؟ هل «لا دين» أي كافر خارج من الملة؛ لأن المعنى الظاهر للحديث هذا. وأعلم أن الحديث والكلام يُحمل على ظاهره.
وكذلك ما معنى «لا إيمان له» هل أيضًا الكفر؟ وما هي القرينة التي تصرف الكلام إلى غير مفهوم الكفر والخروج من الملة؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الحديث صححه الألباني : في «صحيح الجامع» برقم (7179)، وصحيح «الترغيب والترهيب» (3004)، وحسنه في «مشكاة المصابيح» برقم (35)، هذا من حيث تحقيقه(1).
أما من حيث معناه فإن النفي في خطاب الشارع له ثلاثة إطلاقات: فقد يُطلق على نفي الوجود، فإن لم يُمكن حمل على نفي الصحة، فإن لم يكن حمل على نفي الكمال.
ولا شك أن نَقْض العهد وخيانة الأمانة من الكبائر، تنقص الإيمان ولكنها لا تنقض أصله؛ لما تمهَّد عند أهل السنة والجماعة من أن المعاصي من أمور الجاهلية ولا يكفر أصحابها إلا بالشرك؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48].
والتكفير بمثل ذلك هو عقيدة الخوارج، وقد ردَّ عليهم أهل السنة بما قوَّض شبههم وأتى على بنيانها من القواعد، فنفي الدين أو الإيمان هنا محمول على نفي الكمال وليس على نفي الأصل أو الصحة، جمعًا بين النصوص، ومثله قوله ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(2) على أحد تفسيراته؛ لما تمهد من أن الزنى يوجب الحد وينقص الإيمان ولكنه لا يخرج من الملة، وإلا لكانت عقوبته مثل عقوبة المرتد، وهذا هو الشأن في نصوص الوعيد عامة، زادك الله حِرصًا وفِقهًا وبصيرة. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/135) حديث (12406)، وأبو يعلى في «مسنده» (6/164) حديث (3445)، وابن حبان في «صحيحه» (1/422) حديث (194)، والطبراني في «الأوسط» (3/98) حديث (2606)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/96) وقال: «رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وفيه أبو هلال، وثقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره».
(2) أخرجه البخاري (6772).