يا شيخنا، بخصوص حديث «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»(1)، ماذا نفعل؟ فالأب يطلب من ابنه الأوَّل مالًا ليبني بيتًا لابنه الثَّاني؟ علمًا بأن الابن الأوَّل سافر لطلب لقمة عيشٍ كريمة ولا يملك أصلًا بيتًا له طوال سنوات الغربة، يُحاول جَمْع مالٍ ليبني منزلًا له ولعائلته، والآن بعد سنواتٍ طوال من العذاب والغربة أخذ الابنُ الأوَّل قرضًا من البنك ليبني بيتًا له في بلده، والآن جاء الأب يطلب مالًا لبناء منزلٍ لولده الثَّاني، ولا يهم بالنسبة له لو بقي الابن الأوَّل بالعراء، علمًا بأنه- والله يا شيخ ولا أحلف بالله كذبًا- الابن الثَّاني يعمل سائقًا عموميًّا على سيارة تمليك له اشتراها أبوه له، ومع ذلك كان يأتيه النَّاس إلى باب الدَّار يقولون له: تعالَ أوصلنا وخُذْ كذا وكذا من المال. فكان يصرخ قائلًا: توقظونني من النَّوْم كي أعمل، لا أريد لا أريد. ويرجع لينام، فهو ينام وغيره لا يرى النَّوْم.
والله يا شيخ نحن مسلمون ولكن تعبنا، والله تعبنا من الأحكام التي يُطلقها الإسلام ونحن جاهلون بالإسلام، لا نستطيع تحمُّل ظلم الحياة وظلم التَّطبيق الخاطئ للإسلام، تعبنا ونريد حلًّا وفي نفس الوقت لا نُريد غضب الله والوالدين؟!
________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/179) حديث (6678)، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في الرجل يأكل من مال والده» حديث (3530)، وابن ماجه في كتاب «التجارات» باب «ما للرجل من مال ولده» حديث (2292) من حديث عبد الله بن عمرو .
وأخرجه ابن ماجه أيضًا في كتاب «التجارات» باب «ما للرجل من مال ولده» حديث (2291) من حديث جابر بن عبد الله ب. وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (3/37) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري»، وابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/203) وقال: «رواه ابن ماجه من رواية جابر قال البزار: صحيح».
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2/142) حديث (410) من حديث عائشة ل، وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/203) وقال: «صححه عبد الحق».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فمرَّة أخرى ننصحك أيَّتها السائلة الكريمة بأن تُهوِّني على نفسك، وألا تنسبي إلى ملَّة الإسلام أغلاطًا قد يقع فيها بعض المنتسبين إليها سواءٌ أكانوا من المنتسبين إلى العلم أم من العامَّة، وأرجو ألا يحملك الغضب أو الألم على إطلاق عبارات تُوقعك في محاذير شرعيَّة فادحة، كقولك في السُّؤال: (والله تعبنا من الأحكام التي يُطلقها الإسلام)، ولا أدري ماذا تقصدين بهذه الكلمة؟! ولعلها زلَّة لسان في لحظة من لحظات الاندفاع والفِتْنة.
وصفوة القول يا أمة الله أنه لا ينبغي لأبٍ أن يأخذ من أحدِ أبنائه ليعطي ابنَه الآخر، إلا عند الحاجة الماسة الظَّاهرة التي لا يختلف فيها اثنان، وهو مُطالَب بالعدل بين أولاده(1)، وألا يفتنهم بالتَّمْييز بينهم، أو بتفضيلِ بعضهم على بعضٍ، أمَّا ما ذكرت من الواقعة التي تتحدَّثين عنها فننصحك بعرضها على أحد أهل الفتوى المخالطين لكم وإعلامه بملابساتها، وأرجو أن تجدي منه عونًا كريمًا بإذن الله.
ونُوصيك بوصية النَّبيِّ ﷺ عندما قال لأحد أصحابه: «لَا تَغْضَبْ». فردَّد مرارًا، فقال: «لَا تَغْضَبْ»(2).
ونسأل اللهَ لك الرشد. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الهبة وفضلها والتحريض عليها» باب «الإشهاد في الهبة» حديث (2587)، ومسلم في كتاب «الهبات» باب «كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة» حديث (1623) من حديث النعمان بن بشير ب قال: تصدَّق عليَّ أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ، فانطلق أبي إلى النبي ﷺ ليشهده على صدقتي فقال له رسول الله ﷺ: «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟» قال: لا. قال: «اتَّقُوا الله وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ». فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
(2) أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «الحذر من الغضب» حديث (6116) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .