قرأتُ حديثًا صحَّحه الشَّيخ الألباني في «صحيح الجامع» نصُّه: «عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ؛ فَإِنَّهَا دَوَاءٌ وَأَسْمَانُهَا فَإِنَّهَا شِفَاءٌ، وَإِيَّاكُمْ وَلُـحُومَهَا فَإِنَّ لُـحُومَهَا دَاءٌ»(1)، فما هو المقصود بقوله ﷺ: «فَإِنَّ لُـحُومَهَا دَاءٌ»؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
__________________
(1) «صحيح الجامع» حديث (4060).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن اللهَ جل وعلا قد أحلَّ لنا بهيمةَ الأنعام من الغنم والبقر والإبل، وجعل ذلك قرآنًا يُتلى، فقال تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام: 142- 144]، وقال تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: 5] وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [غافر: 79] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [المؤمنون: 21] فحِلُّ بهيمة الأنعام عامَّة والبقر خاصة قد جعله الله قرآنًا يُتلى.
وفي السُّنَّة المُطهَّرة أن النَّبيَّ ﷺ قد تقرَّب إلى الله بلحمها وأكل منها كما جاء في الصَّحيحين من حديث عائشة في حجَّة الوداع وفيه: أن أزواجَ النَّبي ﷺ تمتَّعْنَ معه في حجَّة الوداع وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنةً ثم ذبح النَّبيُّ ﷺ عنهن البقر فأكلن من لحومها. مُتَّفق عليه(1).
ولا شكَّ أن النَّبيَّ ﷺ لن يتقرَّب إلى الله عز و جل بالدَّاء أو ما ليس بطيب.
أما الحديث المذكور فقد تُكُلِّم فيه، ولا يخفى أن من شرط الحكم على الحديث بالصِّحَّة والحسن ألا يكون مُعلَّلًا ولا شاذًّا، فبعد أن تنظر إلى الإسناد يجب أن تنظر إلى المعنى: هل هو مخالف لقواعد الشَّريعة أم لا؟
وقد سئل الشَّيخ محمد بن عثيمين: ما صحة الحديث الذي يحكي أن ألبانَ البقر دواء وسمنها شفاء ولحمها داء؟ فأجاب: هذا الحديث الذي فيه أن لحمَ البقر داءٌ هذا حديث باطل مكذوب على الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، ولا يُمكن أن يَصِحَّ إطلاقًا؛ لأن اللهَ عز و جل يقول فيما أحلَّ لنا: ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: 144].
فأباح اللهُ عز و جل لحمَ البقر، وهل اللهُ تعالى يُبيح لعباده ما هو داءٌ؟! لا، لا يُمكن أن يُبيح ما هو داء، إذن فهذا الحديث نعلم أنه مكذوبٌ، وقد خرَّجه بعض الإخوة من طلبتنا وبيَّن أنه كذب لا يَصِحُّ عن النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام. اهـ. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الحج» باب «ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن» حديث (1709)، ومسلم في كتاب «الحج» باب «بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه» حديث (1211).