تفسير حديث «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي»

قيل في الحديث الشريف: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»(1).
1- ما المقصود بـ«لَا يَأْكُلْ»؟
2- ما هي صفات هذا التقي؟ وكيف أحكم على إنسان أنه كذلك؟

_________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/38) حديث (11355)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «من يؤمر أن يجالس» حديث (4832)، والترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في صحبة المؤمن» حديث (2395)، والحاكم في «مستدركه» (4/143) حديث (7169) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/527) وقال: «حديث حسن».

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن قوله ﷺ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا» معناه: لا تتَّخذِ الفُسَّاق أصحابًا، وإنما تتَّخذ الأخيار، الذين هُدوا إلى الطَّيِّب من القول والعمل، وصانوا جوارحهم عن معصية الله عز و جل ، وقد قال ﷺ في الحديث الآخر الصَّحيح: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ حَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ- يعني: يُعطيك- وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ- يعني تشتري منه- وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، أَمَّا نَافِخُ الْكِيرِ فَإِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً»(1). ويقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ- يعني صاحبه- فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل»(2).
وقوله: «وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» أي لا تدعو إلى طعامك إلا الأخيار الأتقياء، وقد ذكر أهل العلم أن هذا فيما يختاره الإنسان ويتخذه عادةً له، أما الضيوف فلهم شأن آخر، فلا مانع من أن يقدم لهم الطعام وإن كانوا ليسوا بأتقياء، وإن كانوا فُجَّارًا، بل وإن كانوا كفارًا، فإن النبي ﷺ كان يَقْدَم عليه الضيوف من غير المسلمين فيُطعمهم ويكرمهم تعريفًا لهم على الإسلام، وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»(3).
فإكرام الضَّيف مأمورٌ به شرعًا ولو كان غيرَ مسلمٍ، وفي إكرامه دعوة إلى الإسلام، وتوجيه له إلى الخير ليعرف محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق، فإذا هجم الضَّيف فإن الإنسان يُكرم الضَّيف بما يليق بمقامه، ويدعوه إذا كان فاجرًا أو كافرًا إلى الخير، فينصح له ويدعوه إلى طاعة الله والاستقامة على دينه إن كان فاسقًا، ويدعوه إلى الإسلام إن كان كافرًا، وقد جاء وَفْد ثَقِيف إلى النبي ﷺ في المدينة وهم كُفَّار، فأكرمهم ودعاهم إلى الله عز و جل  حتى أسلموا(4).
فالضَّيف له شأنٌ آخر، وكذلك قد يُدعى الإنسان إلى وليمة فيجتمع بأناسٍ لا خير فيهم فلا يضرُّه ذلك، لكونه لم يقصد صحبتهم، وإنما جمعه معهم الطعام كما يجمعه معهم السوق والمساجد ونحو ذلك وهم فُسَّاق.
فالحاصل أن الشَّيء الذي يُنهى عنه هو أن يتَّخذ الفاجر صاحبًا وصديقًا يأكل طعامه ويزوره ويتزاور معه ونحو ذلك، أما ما قد يعرض للإنسان من مجيء الضَّيف إليه أو اتِّصاله بغير مسلمٍ من دعوته إلى الله أو لشراء حاجة منه، فقد اشترى النبي ﷺ من غير المسلمين، وقد دعاه اليهود فأكل طعامهم(5)، وأحل الله لنا طعامهم(6). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

________________

(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «في العطار وبيع المسك» حديث (2101)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء» حديث (2628)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .

(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (2/334) حديث (8398)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «من يؤمر أن يجالس» حديث (4833)، والترمذي في كتاب «الزهد» باب «ما جاء في أخذ المال بحقه» حديث (2378) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال الترمذي: «حديث حسن».

(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه» حديث (6136)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان» حديث (47)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

(4) ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في «مسنده» (4/218) حديث (17942)، وأبو داود في كتاب «الخراج والإمارة والفيء» باب «ما جاء في خبر الطائف» حديث (3026) من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه : أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله ﷺ أنزلهم المسجدَ ليكون أرقَّ لقلوبهم، فاشترطوا عليه أن لا يُحشروا ولا يُعشروا ولا يُجَبُّوا. فقال رسول الله ﷺ: «لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا وَلَا تُعْشَرُوا وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ»، وذكره الألباني في «السلسلة الضعيفة» (4319).

(5) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «الهبة وفضلها والتحريض عليها» باب «قبول الهدية من المشركين» حديث (2617)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «السم» حديث (2190)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أن امرأة يهودية أتت رسول الله ﷺ بشاة مسمومة فأكل منها… الحديث.

(6) قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: 5].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   02 الحديث الشريف وعلومه

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend