نرجو منكم شرح كلمتي «الملاحم» و«المغازي»؟ وأيضًا نرجو معرفة ما المقصود مما روي عن الإمام أحمد بن حنبل: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي؟ بارك الله فيك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن كلمة «المغازي» مأخوذة من الغزو، وهو: الخروج إلى محاربة العدو، وقد أطلق العلماء الغزوات على أخبار الغزاة وغزواتهم ثم صارت تُستخدم في الحديث عن غزوات النَّبيِّ ﷺ وجهاده ومعاركه التي خاضها في سبيل نصرة الدِّين وانتشار الدَّعوة.
ثم توسَّعوا في هذا المعنى فصارت تشمل حياة النَّبيِّ ﷺ كلِّها، وهي بهذا المعنى الأخير مرادفة لمعنى كلمة السَّير.
أما الملاحم فهي في الأدب نوعٌ من الشعر يصف ما يجري على الأمم من أحداثٍ ووقائع في المستقبل عن طريق الاستدلال بأحكام النُّجوم؛ ولذلك كان الفقهاء مثل الإمام أحمد بن حنبل يستنكرون هذه الملاحم لأنها رجمٌ بالغيب، والله لا يُظهر على غيبه أحدًا، وفي ذلك قال: ثلاثةٌ لا أصل لها: التفسير والملاحم والمغازي(1).
أما الإطلاق العصريُّ لكلمة «الملحمة» فيعني بها القصائد المطوَّلة التي تتناول التاريخ الأسطوريَّ للأمم والدول كـ«إلياذة هوميروس»، وهو لا يختلف عن الإطلاق العربي القديم لها إلا في شيء واحد: هو أن الملاحم العربيَّة القديمة تتحدَّث شعرًا عن المستقبل المغيب، أما الملاحم غير العربيَّة فتتحدَّث شعرًا عن الماضي وما يشيع فيه من أساطير وقتالٍ بين الآلهة كما في معتقدهم الوَثَنيِّ.
أما معنى قول الإمام أحمد: «ثلاثة لا أصل لها: التفسير، والملاحم، والمغازي» فهو محمول على أن المراد به كتبٌ مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمدٍ عليها ولا موثوق بصحَّتها لسوء أحوال مُصنِّفيها وعدم عدالة ناقليها وزيادات القُصَّاص فيها، وليس على الإطلاق. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) ذكره ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (13/346).