حول علماء السلاطين

حفظ الله الشيخ «صلاح» وبارك في علمه وعمره، سؤالي يا شيخنا الفاضل حول الإشكاليات التي تُثار الآن حول علماء السلاطين، والتنازلات التي تصدُر منهم أحيانًا، حتى دون أن يُطلب منهم، أرجو للضرورة توضيحَ حكم الكلام عليهم والوقوع فيهم، مع كيفية التوفيق بين التحذير منهم والوقع فيهم مع كون لحوم العلماء مسمومة، وخوف الإنسان على نفسه من الابتلاء بموت القلب كما يقول ابن عساكر، أفتونا مأجورين مع التفصيل بعض الشيء لو تفضلتم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد أخذ الميثاقَ على من تعلَّم شيئًا مما أنزله أن يُبينه للناس وألا يكتمه، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187].

وتوعَّد من كتم أبلغَ وعيدٍ وأشدَّه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *  أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة: 174- 175].

ويتعين البيان عند الإخلال بالقطعيات والعدوان على المحكمات؛ لأنَّ الأصل أنه لا يُنكر المختلف فيه وإنما يُنكر المجمع عليه، فما يُنسب من تجاوزٍ أو استطالة على الشرع من قِبَل المنتسبين إلى العلم أو غيرهم يتعين الاستدراكُ عليه وبيانُ الحق فيه ممن تأهَّل لذلك، شريطة أن يكون هذا البيان بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا يتضمن تجريحًا أو استطالة.
وما ورد من أن لحوم العلماء مسمومة لا علاقة له بالمراجعات العلمية والتعقبات العلمية التي تكون من أهلها وتقع على وجهها، فلم يزل أهل العلم يتعقَّب بعضُهم بعضًا ويستدرك بعضهم على بعض، وإنما الخلل فيما يَصحب هذا التعقبَ من فُحش أو استطالةٍ، لقد أمرنا الله جل وعلا أن نُجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن(1)، وأمرنا أن نقول للناس حُسنًا(2)، ولقد علَّمتنا الشريعةُ أن يكون أمرُنا بالمعروف، وألا يكون نهيُنا عن المنكر بالمنكر، فإذا التزم القائمون بالحِسبة بهذا الأدب انتفت هذه الإشكالية، ولم يعد لمثل هذا السؤال محلٌّ، سواء أكان احتسابُهم على المنتسبين إلى العلم أم على غيرهم.
إن البلاغَ أيها الحبيب لا يقتضي الفُحشَ والاستطالة، وإن البيان لا يستلزم الطعن والسِّباب، وإن الذي أثار مثل هذا السؤال ليس الاحتساب أو البيان في ذاته، وإنما ما يصحب هذا الاحتسابَ أو البيان من تراشق بالتُّهم وتقاذف بالمناكر، أو عندما يتولى هذا الأمرَ من لا فقه له ولا بصيرة لديه، أما إذا قام بالبلاغ أهلُه وعلى وجهه فقد انتفى المحذورُ الذي تتحدث عليه وتتخوف منه، وبذلك يكون صلاحُ الدين والدنيا.
ونسأل الله التوفيق للجميع، والله تعالى أعلى وأعلم.

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) وشاهد ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46].

(2) وشاهد ذلك قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].

تاريخ النشر : 26 ديسمبر, 2017
التصنيفات الموضوعية:   04 أصول الفقه وقواعده

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend