صيام الزاني للنوافل هل يقبل منه؟
السؤال:
ما حكم صيام الزاني للنوافل؟ وهل يقبل له صيام؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فالزنا يا بني من الفواحش التي لا تجتمع مع الإيمان، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾
[الإسراء: 32]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مؤْمِنٌ»(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ
عَادَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ»(2).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: «لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنى»(3). واحتج بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال:
يا رسول الله أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ». قلت: إن ذلك لعظيم. قلت: ثم أي؟ قال:
«ثمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قلت: ثم أي؟ قال: «ثمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ»(4).
فأنزل تصديقها في كتابه: ﴿لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان: 68، 69].
وقد رأى نبيك صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره- رجالًا ونساءً عراة في بناء شبه التَّنُّور، أسفله واسع،
وأعلاه ضيق، يوقد عليهم بنار من تحته، فإذا أوقدت النار ارتفعوا وصاحوا، فإذا خبَت عادوا. فلما سأل عنهم؟
أخبر أنهم هم الزناة والزواني(5).
ونحن لا نمنع الزناة من النوافل صيامًا كانت أو صلاة، ولكننا ننبهم إلى ما هو أولى من ذلك وهو التوبة من الزنا،
فإن الله لا يقبل نافلةً حتى تُؤدَّى الفريضة، فالبدار البدار قبل أن يخرج الأمر من أيديكم بالموت فتُصبحوا على ما فعلتم
من النادمين.
والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الحدود» باب «لا يشرب الخمر» حديث (6772)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله» حديث (57).
(2) أخرجه أبو داود في كتاب «السنة» باب «الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه» حديث (4690)، والترمذي في كتاب «الإيمان» باب «ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن» حديث (2625)، والحاكم في «مستدركه» (1/ 72) حديث (56)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا برواته وله شاهد على شرط مسلم». وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (509).
(3) انظر «مطالب أولي النهى» (6/172-175).
(4) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب «قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لله أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}» حديث (4477)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده» حديث (86)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(5) أخرجه البخاري في كتاب «التعبير» باب «تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح» حديث (7047) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مقَدَّسَةٍ…» فذكر الحديث إلى أن قال: «فَانْطَلَقْنَا إِلَى مِثْلِ التَّنُّورِ- قال: فأحسب أنه كان يقول- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ»، قال: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوضَوُا (أي: رفعوا أصواتهم مختلطة) …» الحديث، وفي آخره: «وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ هُمْ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي».
يمكنكم الإطلاع على المزيد من فتاوى الصيام الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي.
كما ويمكنكم متابعة كافة الدروس والمحاضرات والبرامج الخاصة بفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الصاوي