وأنا أصلي الجمعة أحيانًا يأتي شخص أثناء الخطبة والخطيب على المنبر ويصلي ركعتين ثم يقوم بالتسليم على من حوله يمينًا ويسارًا. فماذا أفعل؟ وأنا أعلم بأنه لا يجوز الانشغال عن الخطبة للحديث: «مَنْ مَسَّ الحَصَى فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ». فبرجاء من حضراتكم التوضيح وشرح حديث: «مَنْ مَسَّ الحَصَى» حتى نكون على علم بكل جوانبه. وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الواجب على من حضر الجمعة أن ينصت للإمام وهو يخطب، وليس له الكلام مع غيره، حتى لو كان الكلام لإسكاته، أو لأمر بمعروف أو نهي عن منكر، ومن فعل فقد لغَا.
ففي الحديث المتفق عليه: عن أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْـجُمُعَةِ: أَنْصِتْ. وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ- فَقَدْ لَغَوْتَ»(1).
واختلفوا في ردِّ السلام وتشميت العاطس، فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب، وهو قول أحمد(2) وإسحاق، وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك، وهو قول الشافعي(3). والصواب هو المنع؛ لعموم الحديث.
قال الشيخ الألباني: «فإن قول القائل: أنصت. لا يُعدُّ لغة من اللغو؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع ذلك فقد سمَّاه عليه الصلاة والسلام لغوًا لا يجوز؛ وذلك من باب ترجيح الأهم، وهو الإنصات لموعظة الخطيب، على المهم، وهو الأمر بالمعروف في أثناء الخطبة. وإذا كان الأمر كذلك فكل ما كان في مرتبة الأمر بالمعروف فحكمه حكم الأمر بالمعروف، فكيف إذا كان دُونَه في الرتبة، فلا شك أنه حينئذ بالمنع أولى وأحرى، وهو من اللغو شرعًا»(4).
وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة»: «لا يجوز تشميت العاطس ولا رد السلام والإمام يخطُب على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن كلًّا منهما كلام، وهو ممنوع والإمام يخطب؛ لعموم الحديث»(5). اهـ.
وجاء فيها أيضًا: «لا يجوز لمن دخل والإمام يخطب يوم الجمعة إذا كان يسمع الخطبة أن يبدأ بالسلام من في المسجد، وليس لمن في المسجد أن يرد عليه والإمام يخطب»(6). اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «السلام حال خطبة الجمعة حرامٌ؛ فلا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب الجمعة أن يسلم، ورده حرام أيضًا»(7). اهـ.
والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب» حديث (934)، ومسلم في كتاب «الجمعة» باب «في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة» حديث (851).
(2) جاء في« المغني لابن قدامة» (2/ 240) « وقال أبو داود، قلت لأحمد: يرد السلام والإمام يخطب، ويشمت العاطس؟ فقال: إذا كان ليس يسمع الخطبة فيرد، وإذا كان يسمع فلا؛ لقول الله تعالى: {فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204] ».
(3) جاء في «المجموع شرح المهذب» (4/ 523) من كتب الشافعية «قال الشافعي في مختصر المزني والأصحاب: يكره للداخل في حال الخطبة أن يسلم على الحاضرين سواء قلنا الإنصات واجب أم لا فإن خالف وسلم قال أصحابنا: إن قلنا بتحريم الكلام حرمت إجابته باللفظ ويستحب بالإشارة كما لو سلم في الصلاة وفي تشميت العاطس ثلاثة أوجه (الصحيح) المنصوص تحريمه كرد السلام (والثاني) استحبابه لأنه غير مفرط بخلاف المسلم (والثالث) يجوز ولا يستحب».
(4) «الأجوبة النافعة» ص45.
(5) «فتاوى اللجنة الدائمة» (8/242).
(6) «فتاوى اللجنة الدائمة» (8/243).
(7) «فتاوى ابن عثيمين» (16/100).