حول الشيخين: أسامه عبد العظيم ومحمد سعيد رسلان

يحيرني موقف بعض المشايخ الذين يغردون خارج السرب، ويعتبرون ثورة يناير رجسا من عمل الشيطان، وأن بواعثها أمريكية، وأن كل فعالياتها محرمة، وأن قتلاها خوارج، وأخص بالذكر موقف الدكتور اسامه عبد العظيم والدكتور محمد سعيد رسلان، ومنهم من تطاول على مشايخ السلفية الآخرين الذين شاركوا في الثورة وشتموهم شتائم سوقية، وردحوا لهم كما يردح في الحواري، وأن الحل عندهم هو اشتغال الناس بتغيير أنفسهم والله يتولى بنفسه تغيير الحكام والنظم! ما الفرق بين هؤلاء المشايخ وبين فلول الحزب الوطني؟ وما الفرق بينهم وبين وعاظ البلاط ومشايخ السلاطين؟ أليس هؤلاء وأمثالهم هم الذين جعلوا من الدين أفيون الشعوب؟! وقد رأيت لبعضهم على الإنترنت سبا لك وتحريضا عليك، فهل من كلمة أو رسالة لهؤلاء المثبطين؟ وما هو موقفكم من الربيع العربي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فأول ما ننبه عليه هو أن نحفظ لأهل العلم وأهل الدعوة حقهم وحرمتهم، وأن لا نجعلهم مضغة على أفواهنا، فإن لحوم أهل العلم مسمومة، وإن سنة الله في هتك أستار متنقصيهم معلومة! إن ممن تشير إليهم من له سابقة وبلاء حسن في نصرة الدين والسنة،
إن الشيخ أسامه عبد العظيم صاحب سمت وهدي وتنسك، بل لا يبعد القول إنه عابد مصر! نحسبه كذلك والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدا! وسل مسجده ورواده الذين يغص بهم هذا المسجد المبارك في شهر مضان، بل وعلى مدار العام، فسوف ينبئك بالخبر اليقين! وهو قبل هذا وبعده أستاذ للشريعة فقها وأصولا بجامعة الأزهر، وإذا استبحنا الوقوع في علمائنا ونساكنا على هذا النحو فتلك لعمر الله قاصمة الظهر! وإن استبحنا تشويه أمثال هؤلاء كنا كمن يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي خصومهم! ومن يطلقون النار على سيقانهم فيعقرون أنفسهم! إن مثل الشيخ أسامه – وافقته أو خالفته – يستسقى بوجهه الغمام، وممن يتقرب إلى الله بمحبته، ويطلب من مثله الدعاء، فأبق على  نفسك! ولا تتعرض لأمثال هؤلاء، فإن الله يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الحرب! إن لك أن تأخذ من قوله وتترك كما هو الشأن في جميع المنتسبين إلى العلم عبر القرون، فإننا نصنع ذلك في ميراث الأئمة الكبار كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل، ولكن أن تأخذ وتترك شيء، وأن تقع في عرض هؤلاء وأن تتنقصهم وتنال منهم شيء آخر، وعلى فرض أنه قد أثر عن بعض هؤلاء شدة على بعض مخالفيهم أو تصلب في عرض اختياراتهم العلمية أو الدعوية، فإن من الناس من يوهب نقصه لفضله، وتطوى زلاته فلا تروى، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث!

وإذا كان هذا هو الشأن في الشيخ أسامه عبد العظيم فقل مثل ذلك أو قريبا منه في الشيخ محمد رسلان، فإن الرجل فيما بلغنا صاحب غيرة على السنة، وحرص على إشاعتها، وإماتة ما يخالفها من البدع، إذا رجعت إلى مصادره وجدتها هي المصادر التي يحملها أهل السنة تاجا فوق رؤوسهم، وإذارجعت إلى علمائه الذين يوقرهم وجدتهم هم رموز الإحياء والتجديد العلمي السلفي في واقعنا المعاصر، وإذا رجعت إلى اهتمامه بالعريبة ورعايته للمسلمين الجدد، وانقطاعه لطلب العلم وتعليمه، وإعراضه عن الدنيا وزهادته فيها تبين لك أنك أمام قامة من قامات العمل الدعوي، التي لا يجوز أن تطفئ جذوتها أو تنكس رايتها مهما اختلفت معه في الرأي! وأن مثله سواء عليك أوافقته أم خالفته يجب أن تحفظ له حرمته، وأن لا تقابل انفعاله بانفعال، أو اتهامه باتهام، ورحم الله القائل

وصل الكرام وإن رموك بجفوة فالصفح عنه بالتجاوز أصوب!

إن اجتهاد هذين الشيخين وأمثالهما في شأن الثورة هو اجتهاد بشري في تحقيق مناط الأصول السلفية على هذه النازلة، وقد وافقهما في ذلك من وافقهما، وخالفهما في ذلك من خالفهما، وكل الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فخذ من قولهما أو قول غيرهما ما شئت، ودع من قولهما أو قول غيرهما ما شئت، ولكن إياك والتعرض لهما أو لأمثالهما بسوء فتوبق دنياك وأخراك!

أما وصفهما بالفلول أو قياسهما على الحزب الوطني فظلم واستطالة! إذ كيف تقابل بين أولياء الله الذي يحملون كلمته إلى الناس، ويعفرون وجوههم في المحاريب سجدا لله عز وجل، وبين أولياء الشيطان من دعاة العلمانية، أو سراق الشعوب، وناهبي ثورات الأمة وجلاديها؟!

وأما وصفهم بأنهم وعاظ البلاط ومشايخ السلاطين فيبهته الواقع العملي لمن ذكرت من المشايخ، فإن الغالب على من يصدق عليهم هذا الوصف من المنتسبين إلى العلم  هو التهتك وعدم الصيانة من ناحية، وقربهم من السلطان وتقلبهم في عطاياه ومناصبه من ناحية أخرى، وهؤلاء الذين ذكرت أصحاب هدي وسنة من ناحية، وهم أزهد الناس في الدخول على السلاطين أو التعرض إلى هباتهم والتطفل على دنياهم من ناحية أخرى! هل سمعت بأحد من هؤلاء تبوأ منصبا في العهد السابق؟ هل سمعت بأحد منهم خلع عليه الحزب الوطني الذي تعدهم من فلوله الخلع؟ أو أفاض عليه شيئا من الهبات أو المناصب التي كان يفيضها على أوليائه وصنائعه من المبطلين والمرجفين والذين في قلوبهم مرض؟!

إننا لا ننازع في أن بعض المنتسبين إلى العلم قد يصدق عليهم هذا الوصف، وكم جنت الأمة من ورائهم كثيرا من الويلات والفواجع! ولكن أمثال هؤلاء ممن يبعون دينهم لهوى السلطان لا بد أن يقال لهم بلسان الحال او بلسان المقال ما قيل لسحرة فرعون عندما قالوا [ أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ] فإن رأيت هؤلاء لا أجر من السلطان ولا زلفى! فكيف يحسبون على البلاط ويعدون من وعاظه؟!

أما وصفك لهم بأنهم يغردون خارج السرب فإن هذا الذي تراه من  مثالبهم قد يكون في بعض أوجهه من مناقبهم! إذ لو كان هؤلاء ممن هان عليهم دينهم لما أطاقوا مخالفة السواد الأعظم من الناس، ولطفقوا يلتمسون لمتابعته التأويلات والمخارج، إن في مقابل وعاظ السلطة وعلماء الشرطة هناك وعاظ العامة وعلماؤهم الذين يدورون في فلك أهواء العامة، يحولون نزواتهم وأهواءهم إلى دين وشرائع! فلا تسمع منهم الحق الذي تعبد الله عباده بالصدع به ولو كان مرا، بل تسمع منهم ما يطلبه المستمعون، وما يروق لأهوائهم حقا كان أو باطلا! فعندما يصر هؤلاء على ما يعتقدونه حقا، ويستميتون في إبلاغه، وإن غردوا به خارج السرب – كما تقول – أعده من بعض أوجهه منقبة لهم، وإن كنت أخالفهم فيه أو في بعضه مضمونا ومحتوى!

إلى متى يكون حوارنا اليومي بالخناجر؟! إلى متى يكون جدالنا الدعوي بالأنياب والأظافر؟! ونحن نقرأ في كتاب ربنا [ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن؟!]

أما ما ذكرته من وقوع بعض من ذكرت في شخصي الضعيف فلعلها بعض ذنوبي قد عجل لي شؤمها! وأيا كان الأمر فلا أحب أن ينقل لي ذلك، ولست بمتتبع له لأبقي على سلامة صدري لهم خاصة، ولأهل العلم وحملة الشريعة بصفة عامة، وصلوات الله على من قال: لا تبلغوني عن أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليهم وأن سليم الصدر! ومن جهة أخرى فإني عاذر لهم وواهب لهم ما وقعوا به في عرضي إن صح ما تقول، فما حملهم على ذلك إلا الانتصار لما ظنوه حقا ودينا، والإنكار على ما ظنوه خطأ وزللا، وليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه!

إننا جميعا نعلن انتسابنا إلى السلف الصالح وتوقيرنا لهم جميعا، بدأ من الصحابة والتابعين، ومرورا بمن سار على نهجهم من أئمة العلم عبر القرون، وانتهاء بالمقدمين من علماء الأمة في واقعنا المعاصر، سواء في الساحة المصرية، أم في بلاد الحرمين، أم في غيرها من أرض الله الواسعة على امتداد الأمة مشرقا ومغربا، ليس فينا من يعلن انتسابه المجمل إلى فرقة من فرق الضلالة، أو انخلاعه المجمل من أصل من أصول أهل السنة، قد يقع الوهم أو الالتباس في تحقيق مناط من المناطات، أو تطبيق أصل من هذه الأصول في نازلة من النوازل، ولكن يبقى اتباع السنة هو الاصل، والحرص على تطبيقها هو المشترك العام، فيصبح الاختلاف في مثل ذلك كالاتفاق والحمد لله.

وأرجو أن تعذرني في الإفاضة في القول في هذه المسألة لأنني أردت ان أبلغ من خلالها رسالة إلى من يتربصون بالدعاة، ويتصيدون هناتهم، ويطيرونها شرقا وغربا، ويسعون لإيقاد نيران الفتن بينهم، وإنني لأرجو أن لا تكون أيها السائل الكريم من هذا القيبل، كما أرجو أن ينفعك الله بهذا الجواب، وأن يشتغل كل منا بما ينفعه، والحمد لله أولا وآخرا،

أما بالنسبة لما جاء في ذيل سؤالك حول ربيع الثورات العربية فإن المتحمسين لربيع الثورات العربية والمشاركين فيها ليسوا سواء، وإن المعارضين لها بدورهم ليسوا سواء كذلك، لقد اشترك في صناعة هذا الربيع العربي أطياف شتى: اشترك في ذلك مسلمون وغير مسلمين، إسلاميون وغير إسلاميين، ولكل وجهة هو موليها، والقاسم المشترك هو مقاومة الاستبداد والفساد، فهم يصدرون مصادر شتى ويبعثون يوم القيامة على نياتهم، وإنما الأعمال بالنيات وغنما لكل امرئ ما نوى! وصفوة القول في ذلك أنه حيث وجد الإقرار بمرجعية الشريعة، والالتزام بمبدأ التحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى ما أنزل الله، فلا ينبغي الخروج على الحاكم بسبب شيوع بعض المظالم، لأن مفاسد الخروج تربوا على مفاسد هذه المظالم، اللهم إلا إذا كان هذا السعي في إطار مشارطة مسبقة بين الحاكم والمحكوم، كما هو الحال في المجتمعات التي تقوم على التعددية السياسية ونتخب حكامها إلى ميقات معلوم ثم ترد الامر إلى الامة لتختار لنفسها من جديد، وحيثما أعلنت العلمانية، وكان التحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله، وأصبح هذا معيار المشروعية وأساس الحكم، ومعقد الولاء والبراء فإن السكوت على هذا الواقع مرده إلى انعدام القدرة أو غلبة المفسدة، وإلا فإن الشريعة لا تحمي مبدلا للشرائع، ولا تضفي على باطله صيانة ولا حماية!

ورغم الاحتقانات التي تمر بها دول الربيع العربي التي دالت فيها دولة طواغيتها إلا أن المراقب المنصف يقول إن ما هي فيه الآن بالجملة خير مما كانت عليه في الجملة، وأن الهمة الآن ينبغي أن تتجه إلى بناء الإنسان والدولة على وفاق الشريعة، بدلا من استهلاك الوقت والجهد في هذا الجدل الذي لا ينبني عليه الآن عمل.

وأيا كان الأمر فقد أصبح هذا الجدل تاريخا، وتجاوزنا هذه المرحلة على الأقل على الساحة المصرية والتونسية والليبية، فلماذا نعيد الأمر جذعا؟ ونصر على إيقاظ الفتن وإثارة الاحتقانات؟!

أسأل الله أن يأخذ بنواصينا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا جميعا ممن يخافه ويتبع هداه، والله تعالى أعلى وأعلم

تاريخ النشر : 29 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية:   05 السياسية الشرعية, 07 آداب وأخلاق

فتاوى ذات صلة:

Send this to a friend