ما هو الحكم في طول الملابس دون أن يكون المقصود من طولها التفاخرُ والتباهي، ودون أن تكون ملامسة للأرض؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد صح في السنة المطهرة النهي عن الإسبال، وذهب الجمهور إلى أن الأصل فيما زاد على الكعبين من ثياب الرجال أنه محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَسْفَلَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ»(1).
وقد عنون النووي في «شرحه على صحيح مسلم» فقال: «باب بيان غِلَظِ تحريم إسبال الإِزار والمنِّ بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف». وساق فيه حديث أَبِي ذَر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَـهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». قال: فقرأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرارٍ. قال أبو ذَر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: «الْـمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالْـمَنَّانُ، وَالْـمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِبِ»(2).
وهذا الحكمُ عامٌّ في السروال والقميص ونحوه، وذكر إسبال الإزار وحده لأنه كان عامَّةَ لباسهم، وحكم غيره من القميص وغيره حكمُه.
وقد ذكر النووي: أن ذلك قد جاء مبينًا منصوصًا عليه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رواية سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهم، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الْإِسْبَالُ فِي الإِزَارِ وَالقَمِيصِ وَالعِمَامَةِ، مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»(3).
وقيَّده بعضُ أهل العلم بما إذا كان من ذلك على سبيلِ الخيلاء؛ لما ورد من أنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان يتعاهَدُ إزارَه وكان يسقُط منه وينزل عن الكعبين، فسأل في ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَجُرُّونَهُ خُيَلَاءَ»(4).
قال النووي رحمه الله في «شرحه على صحيح مسلم»: «وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «الـمُسبِلُ إِزَارَه» فمعناه الـمُرخِي له الجارُّ طرفَه خُيَلاء، كما جاء مفسرًا في الحديث الآخر: «لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ»(5) والخيلاء الكِبْرُ، وهذا التقييد بالجرِّ خُيلاء يخصص عمومَ الـمُسبِل إزارَه، ويدلُّ على أن المرادَ بالوعيد من جرَّه خيلاء. وقد رخص النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلك لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: «لَسْتَ مِنْهُمْ» إذ كان جرَّه لغير الخيلاء»(6).
والاحتياطُ أن تتجنب ذلك بالكليَّة ما استطعت، ونسأل الله لك التوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «ما أسفل الكعبين فهو في النار» حديث (5787) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» حديث (106).
(3) أخرجه أبو داود في كتاب «اللباس» باب «في قدر موضع الإزار» حديث (4094)، والنسائي في كتاب «الزينة» باب «إسبال الإزار» حديث (5334)، وابن ماجه في كتاب «اللباس» باب «طول القميص كم هو» حديث (3576)، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (2770).
(4) أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلًا» حديث (3665) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(5) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «قول الله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } [الأعراف: 32]» حديث (5783) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) «شرح النووي على صحيح مسلم» (2/116).