فضيلة الشيخ. أولادنا أكبادنا، نغفل عنهم في بواكير حياتهم، ونكتوي بمرارة تفلُّتهم وانحرافهم كبارًا، وقد يبلغ الأمر ببعضهم مبلغ الانهيار الخلقي والسقوط في مستنقع المخدرات والرذيلة مع رفقاء السوء.
نريد أن تبينوا لنا ما هي حقوق الأولاد على آبائهم؟ حتى نكررها على مسامع الآباء، بل ونعيدها على مسامعنا نحن كذلك، فلسنا بعيدين عن هذا البلاء، ونحولها إلى مادة مقروءة ومسموعة ونوظف لتعميم الاستفادة منها ما نستطيع أن نصل إليه من وسائل وأدوات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد أثرت بسؤالك هذا قضية في غاية الأهمية والخطورة، وهيَّجت به جرحًا غائرًا عميقًا في حياتنا المعاصرة، لم يكد ينجو منه أحد، إلا مَن عصم ربُّك، وقليلٌ ما هم، وإن الذاكرة لتختزن من الفواجع في هذا الشأن ما لا تُترجمه الكلمات.
لقد ناقش كلٌّ من اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا- حقوقَ الأولاد في الإسلام، وانتهوا إلى صياغة جميلة ومحكمة في هذه الحقوق، وقد تبنَّاها المجمع في وثيقته للأحوال الشخصية، أسوقها لك بنصها، وأرجو أن يكتب الله على أيديكم تعميمها واستفاضة البلاغ بها على أوسع مدى ممكن، مذكرين أنفسنا وإياكم بقول المعصوم ﷺ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».
حقوق الأطفال في الشريعة:
– للطفل منذ تخلُّقه جنينًا حقٌّ أصيلٌ في الحياة، والبقاء، والنماء، فيَحرُم إجهاضه بعد نفخ الروح فيه إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض، ويُمنَع إجهاضُه قبل ذلك إلا لحاجة ظاهرة تتعلق بصحته أو صحة أمِّه، بل له حق على أبيه يسبق وجوده يتمثل في حسن اختيار أمه.
– للطفل الحق في الحصول على الرعاية الصحية، والتغذية الملائمة من خلال رعاية أمه الحامل، ومن خلال رعايته منذ ولادته إلى أن يستقلَّ بنفسه.
– للطفل عِند ولادته الحقُّ في إحسان تسميتِه، وإبداء السرور والبُشرى بمَقْدَمِه، لا فرق في ذلك بين الذكور والإناث، ويَحرُم التسخُّط بالبنات، فإنهن هبةُ الله جل وعلا للأبوين كالذكور.
– للطفل الحق في الانتساب إلى أبويه الشرعيين؛ ولهذا تَحرُم بناء على ذلك جميع الممارسات التي تشكك في انتساب الطفل إلى أبويه، كاستئجار الأرحام أو بنوك المني ونحوه.
– للطفل الرضيع الحقُّ في أن تُرضعه أمه، إلا إذا منع من ذلك مصلحةُ الرضيع، أو الضرورة الصحية للأم.
– للطفل الحقُّ في الحضانة: تنشئة، وتربية، وقضاء لحاجاته الحيوية والنفسية، والأم أحقُّ بحضانة طفلها، ثم من تليها وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
– يمتدُّ الحق في الحضانة ليشمل الأطفال اليتامى، واللقطاء، وذوي الاحتياجات الخاصة، واللاجئين، والمحرومين بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئتهم العائلية، وتكون حضانتهم عندها فرضًا كفائيًّا على المجتمع المسلم.
– التبني مُحرَّم في الشريعة، ولا يتعارض ذلك مع كفالة حقوق الرعاية الاجتماعية بكافة صورها للأيتام واللقطاء أيًّا كان انتماؤهم، واعتبار ذلك من أجل القربات.
– يرخص في تسجيل المهجرين من يتامى المسلمين خارج ديار الإسلام بأسماء القائمين على كفالتهم، إذا تعيَّن ذلك سبيلًا لاستنقاذهم، مع اتخاذ الاحتياطات العملية التي تمنع من الاختلاط المحرم، أو الإخلال بنظام التوريث في الشريعة.
– للطفل حقُّ الاستمتاع بطفولته، فلا يُسلَب حقه في الراحة، والاستمتاع بوقت الفراغ، ومزاولة الألعاب، والاستجمام، والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية بما يتناسب مع سِنِّه ويحفظ هويته، مع إبعاده عن وسائل اللهو المحرم شرعًا وقانونًا.
– للطفل الحقُّ في مستوى معيشي ملائم لنموِّه البدني، والعقلي، والديني، والاجتماعي، ويثبت هذا الحق للطِّفل على أبيه ابتداء، ثم على غيره من أقاربه الموسرين، إن كان لا مال له، ويمتدُّ هذا الحق للولد حتى يُصبح قادرًا على الكسب وتتاح له فرصة عمل، وللبنت حتى تتزوَّج وتنتقل إلى بيت زوجها، أو تستغني بكسبها.
– للطفل الحق في تربيته تربيةً قويمة ومتوازنة، ومن أولويات هذه التربية تعليمه قواعد الإيمان، وتنشئته على عبادة الله، وطاعته، وتأديبه بآداب الدِّين، ومكارم الأخلاق، وتعويده على اجتناب المحرَّمات، وسائر السلوكيات والعادات السيئة والضارة، والبعد عن قُرَناء السُّوء، وتوجيهه إلى الرياضة المفيدة، والقراءة النافعة، وأن يكون الوالدان أو المسئولون عن رعايته قدوةً عمليَّةً صالحة له في كل ذلك.
– للطفل الحقُّ في حمايته من كافة أشكال الإيذاء، أو الضَّرر أو التعسُّف أو الإهمال، ومن إساءة معاملته بدنيًّا أو عقليًّا أو نفسيًّا، أو أية معاملة ماسة بالكرامة من أي شخص يتعهد الطفل أو يقوم برعايته، ولا يخلُّ هذا الحق بمقتضيات التأديب والتهذيب اللازم للطفل، وما يتطلبه ذلك من جزاءات مقبولة تربويًّا، تجمع بحكمة وتوازن بين وسائل الإقناع والحفز، ووسائل العقاب والزجر بضوابطه الشرعية والقانونية والنفسية.
– للطفل الحقُّ في تنشئته على اكتساب العادات الاجتماعية الطيبة، وفي مقدمتها الحرص على التماسك الأسري والاجتماعي، بالتوادِّ والتراحم بين أفراد الأسرة وسائر ذوي القربى، وصلة الأرحام، والبر بالوالدين، وطاعتهما في المعروف، والإنفاق عليهما، ورعايتهما عند الحاجة لكِبَر أو عوز، وأداء سائر حقوقهما المقررة شرعًا، وعلى توقير الكبير، والرحمة بالصغير، وحب الخير للناس، والتعاون على البر والتقوى.
– للطفل الحق في الحصول على تعليم متكامل ومتوازن ثقافيًّا ومهنيًّا يهدف إلى:
أ- تنمية وعيه بحقائق الوجود الكبرى: مِن خالقٍ مدبر، وكونٍ مسخَّر، وإنسان ذي رسالة، وحياةِ ابتلاءٍ في الدنيا تمهيدًا لحياةِ جزاءٍ في الآخرة.
ب- تنمية شخصيته، ومواهبه، وقدراته العقلية، والبدنية إلى أقصى إمكاناتها بما يمكِّنه من أداء رسالته في الحياة.
ج- تنمية احترام حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، وتوعيته بواجباته الخاصة والعامة.
د- تنمية احترام الطفل لذاته وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة بدينه وأمته.
هـ- إعداد الطفل لحياة تستشعر المسئولية في مجتمع حرٍّ، يَنْشُد الحفاظ على قيمه الدينية والإنسانية، والاقتراب من مثله العليا بروح من التفاهم، والسلم، والتسامح، والمساواة بين الجنسين في الكرامة الإنسانية، والتعارف بين جميع الشعوب والجماعات العرقية والوطنية والدينية.
و- تنمية احترام البيئة الطبيعية، في سياق الوعي بتسخير الكون للإنسان، لتمكينه من أداء رسالته في الحياة، خليفةً في إعمار الأرض.
– للطفل الحق في الحماية من جميع أشكال الاستغلال، أو الانتهاك الجنسي، أو أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته، وله حق الحماية من استخدام المواد المخدِّرة، والمواد المؤثرة على العقل، والمشروبات الكحولية والتدخين ونحوها، كما أن له حق الحماية من الاختطاف، والبيع، والاتجار فيه.
– للطفل الحق في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل ينطوي على خطورة، أو يعوقه عن الانتظام في التعليم الأساسي الإلزامي، أو يكون ضارًّا بصحته، أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الديني، أو المعنوي، أو الاجتماعي، ويدخل في ذلك تحديد حدٍّ أدنى لسن التحاق الأطفال بالأعمال المختلفة، ووضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه.
– للطفل الحقُّ في الحصول على المعلومات والمواد التي تبثها وسائل الإعلام، وتستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية، وتعميق ثقافته الدينية، وحماية صحته الجسدية والعقلية، والوقاية من المعلومات والمواد الضارة به في هذه النواحي جميعًا.
– للطفل الحقُّ في حمايته في سنِّ المراهقة من استثارة الغرائز الجنسية، والانفعال العاطفي عند التوعية الجنسية، ومن أجل ذلك يتعين ما يلي:
أ- استخدام الأسلوب الأمثل في التعبير، والملائم لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل العقلي والوجداني.
ب- إدماج المعلومات الجنسيَّة بصورة ملائمة لمرحلته العمرية في مواد العلوم المناسبة لها، كعلم الأحياء، والعلوم الصحيَّة، والعبادات، والأحوال الشخصية، والتربية الدينية، واقتران عرض مواد التوعية الجنسية بتعميق الآداب السلوكية الإسلامية المتصلة بهذه الناحية، وبيان الحلال من الحرام، ومخاطر انحراف السلوك الجنسي عن التعاليم الإسلامية السامية. والله تعالى أعلى وأعلم.