أنا رجل متزوج منذ سنتين، ولي طفل وآخر ما زال جنينًا من زوجتي، كثيرًا ما تحدث مشاكل بيني وبين زوجتي، وكنت في كثير من الأحيان أكون أنا السبب وأحيانًا أخرى هي السبب، ثم هداني الله تعالى والتزمت وبدأت أصبر عليها وأحتسب أجري على الله تعالى، وفي الآونة الأخيرة بدأت زوجتي تطالب بالطلاق، وتكثر من قول أنها تكرهني، وأنا أصبر وأقول لها: من أجل أبنائنا. إلى أن بدأت تأبى المعاشرة الزوجية معي.
نتعامل جيدًا جدًّا أمام أهلها وأمام الناس، ولكن عند المعاشرة تبعدني عنها ببشاعة، قلت: ربما لأنها حامل، فسألتها وقلت لها: ما السبب في هذا؟ قالت: إن ذلك بسبب أنها لا تطيق العيش معي؛ لأنها كرهتني وكرهت تفكيري وأسلوب تعاملي معها.
مع أنني- أقسم بالله- أعاملها بما يُرضي الله، وآخذ من حقوق كثيرة لي وأجعلها من أجلها، خاصة المادية، وأتحمل فوق كاهلي لأرضيها، وذات مرة قلت لها: إن الملائكة بذلك تلعنك طوال الليل(1). فقالت: «زمان الملائكة زهقت من لعنها فيَّ».
فتركتها ومشيت، ووجدت نفسي وبكل أسف أتجه للعادة السرية، وأنا في منتهى الندم والحسرة على نفسي، وذلك لشيئين: الأول: ألا ألجأ إلى الزنى والعياذ بالله. الثاني: ألا أهدر كرامتي في طلب المعاشرة الزوجية منها وهي ترفضني بهذا الشكل القبيح والمهدر لكرامتي أمامها.
والآن لا أعرف ماذا أفعل، فأنا أفعل الذنب وأخاف منه، ولا أجد سواه أطفئ به نار الرغبة، وترتب على ذلك أني بعد أن وصلت لدرجة جيدة من الالتزام والصلاة في وقتها في المسجد، بدأت ذنوبي تبعدني وأصلي قضاء وأحيانًا أترك بعض الصلوات، ولي حوالي شهر لا أصلي العشاء ولا في المسجد ولا في البيت، وأبكي على حالي.
ثم التجأت لمشاهدة بعض الفتيات شبه العاريات على مواقع الزواج الأوربية، وأتوب وأرجع، تدهور حالي بشكل رهيب، وأحاول جاهدًا التوبة وأحاول جاهدًا الرجوع ولا أعلم كيف، بالله عليك سيدي ساعدني.
_______________
(1) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها» حديث (5193)، ومسلم في كتاب «النكاح» باب «تحريم امتناعها من فراش زوجها» حديث (1436)، من حديث أبي هريرة ؛ عن النبي ﷺ قال: «إِذَا بَاتَتِ الْـمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْـمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يكشف عنك العذاب، وأن يرفع عنك البلاء، وأن يصلح لك زوجك، وأن يردكما إليه ردًّا جميلًا، اللهم آمين.
وأول ما ننصحك به تجديد التوبة إلى الله عز و جل ، خاصة فيما يتعلق بالمحافظة على الصلاة، فبين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة(1).
ولا يوجد شيء في الدنيا يسوغ لك يا بني ترك الصلاة بحال من الأحوال؛ إذ لا سهم في الإسلام لمن ترك الصلاة، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة(2).
وابتعد كل البعد عن استفراغ شهوتك بالتطلع إلى الأفلام العارية، فهذه لا تزيد النار إلا اشتعالًا، ولا تزيد الخرق إلا اتساعًا، وصدق القائل:
فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها
إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شَهْوَةَ النَّهِمِ(3)
وابتعد عن العادة السرية ما استطعت، ويمكنك أن تستفرغ شهوتك بالمباشرة مع زوجتك والمخالطة لها ولو لم يكن ذلك عن طريق الجماع الكامل، فإن الأصل في قضاء الوطر أن يكون من خلال الزوجة، سواء بالجماع أو بالمباشرة العامة، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون: 5 – 7]
ومن عجز عن الجماع فلن تعجزه المباشرة العامة، فإن هذا خير من العادة السرية التي لا يجوز الترخص فيها إلا عند خشية العنت وتوقع الوقوع في الفاحشة.
ثم اعلم أن للحياة الزوجية يا بني طريقين لا ثالث لهما: فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. فلنجتهد الآن في الطريق الأول إمساك بمعروف، تعرف على شكايات زوجتك واجتهد في استصلاح أحوالك معها، سلها في لحظة صفاء ماذا تريد؟ وكيف تسعدها؟ وكيف تبقيان على هذه العلاقة رعاية لمصالح أولادكما، واجتهد في تلبية مطالبها المشروعة ما دامت تدور في فلك المباحات، تجمل لزوجتك كما تحب أن تتجمل لك، اجتهد في إدخال السرور عليها بالبسمة المشرقة وباللمسة الحانية وبالكلمة العذبة، وقبل هذا كله ومع هذا كله اجتهد في الدعاء وتحيَّن أوقات الإجابة كأدبار الصلوات، وفي الأسحار، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة، فإن فشلت في استصلاح أحوال زوجتك من خلال هذا كله فلكل حادث حديث، وقد نفكر ساعتها في المسار الآخر. والله تعالى أعلى وأعلم.
_______________
(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة» حديث (82) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ تَرْكَ الصَّلَاةِ».
(2) سبق تخريجه حديث (2038).
(3) هذا البيت من بحر البسيط، وهو لشرف الدين البوصيري، من ميمِيَّته المشهورة في مدح النبي ﷺ، والتي مطلعها:
|